على مر التاريخ، لم ينَل أحد مثل ما نالت من مكانة ومحبة وإجلال عظيم فى قلوب المِصريِّين جميعًاـ مسلمين ومَسيحيِّين؛ إذ يذكر «الكتاب» عنها: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِى النِّسَاءِ»، ويُجلها «القرآن» إجلالاً كبيرًا: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ﴾: إنها «السيدة العذراء»، التى احتفلنا بالأمس بذكرى ظهورها فى كنيستها بالزيتون لتبارك «مِصر» وشعبها بركة فريدة جدًّا. ولم يكُن ظهور «السيدة العذراء» فى الزيتون هو الأول فى «مِصر»، إذ سبقته سلسلة من الظهورات، لكن تجليها فى الزيتون اختلف بكونه ظهورًا عامًّا للشعب، واستمر على مُدد طويلة وصلت فى بعضها إلى عدة ساعات. كذٰلك استمرت الظهورات سنوات.
«السيدة العذراء» تتجلى
بدأت تجليات «السيدة العذراء» مساء الثلاثاء 2 /4 /1968م، فى عهد «القديس البابا كيرلس السادس» السادس عشَر بعد المائة فى بطاركة الإسكندرية: حيث شاهد عمال أحد المواقف التابعة لهيئة النقل العام ظهور أنوار باهرة تصدر من القبة الرئيسية للكنيسة، ثم رأَوا فتاةً فى ثياب بيضاء تسير على سطح الكنيسة، وظنوا أنها تحاول الانتحار! فحاول أحدهم أن ينبهها. ثم تجمع المارة، وأعلنوا: إنها «السيدة العذراء»! وقد ذكر المهندس المختص بالإشراف على مبيت السيارات فى أحد الأحاديث أنه ظن أن الظهور هو نتيجة أضواء الكشافات المواجهة للكنيسة، فقام بإطفائها، لٰكنه فوجئ بأن النور المنبعث من القبة قد ازداد توهجًا وبريقًا! وعندما قُطعت الكهرباء عن المنطقة بأسرها عدة مرات، كان يزداد النور حتى غطاها كلها وسط ذهول الحاضرين.
وقام «القديس البابا كيرِلس السادس» بتكوين لجان لتقصى حقيقة الظهور؛ ثم أصدرت «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» بيانًا رسميًّا فى مؤتمر صحفى تؤكد فيه «ظهور السيدة العذراء بكنيستها بالزيتون».
ولم يعُد الظهور حدثًا مِصريًّا بل بات عالميًّا. وكتبت جريدة «الأهرام» الصادرة الأحد 5 /5 /1968م: ««البابا كيرلس» يعلن: ظهور «العذراء» حقيقة. بيان رسمى للبابا يؤكد ظهورها عدة مرات فى كنيسة الزيتون». وكتبت جريدة «الأخبار»: «بيان رسمى من «البابا كيرلس السادس» يعلن: ظهور «العذراء» فى كنيسة الزيتون»؛ وفى عددها الصادر 8 /5 /1968م: «العذراء» ظهرت مرة أخرى أمام الجموع المحتشدة حول الكنيسة. المرضى الذين شفتهم «العذراء» يروون كل ما حدث. تحديد عدد الزائرين للمنطقة كل يوم لمواجهة اشتداد الزحام».
وفى الصحف العالمية، يطالعنا على سبيل المثال ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» فى عددها الصادر 5 /5 /1968م: «رؤى للعذراء فى القاهرة»، و21 /8 /1968م: «العرب يحتشدون فى الكنيسة المسيحية بالقاهرة بعد تقرير الظهورات».
وأيدت جميع الطوائف المسيحية ظهورات «السيدة العذراء»: فقد شهِد كاردينال «إسطفانوس الأول» بطريرك الأقباط الكاثوليك بمِصر أنه ألَّف لجنة لبحث حقيقة الظهور ودراسته بِناءً على تكليف من «البابا بولس السادس» بابا الڤاتيكان؛ وقد أعلن نتائج تلك الدراسة فى مايو 1968م: «إن ظهور السيدة العذراء مريم بكنيسة الزيتون هو ظهور حقيقى ولا يخامره شك؛ فقد أيده كثير من الأقباط الكاثوليك ممن يوثق بهم: مثل الراهبة «بولا دى موفالو» المعروفة بتحرى الدقة، وقد روت كيف شاهدت «العذراء» على قباب الكنيسة؛ وقد كان جسمها يرتجف من شدة الذهول لِما رأته، وهى تقول أنها لم تكُن بمفردها يوم شاهدتها، بل كانت وسط آلاف من المشاهدين». كذٰلك صرح «القَس د. إبراهيم سعيد» رئيس الطائفة الإنجيلية لجريدة «الأخبار» الصادرة 6 /5 /1968م أنه يؤمن بظهور «السيدة العذراء» بكنيسة الزيتون، وذكر أنه اختتم عظته للمصلين فى اليوم السابق للحديث: «لقد ظهرت العذراء على هيئة جسمية كحمامة، وظهورها ثابت بشهادة الشُّهود».
وعن تلك الظهورات التى جذبت زائرين من جميع أنحاء العالم، قالت السيدة الأمريكية «بيرل» صاحبة كتاب «أمام أعيننا»: إنه فى يوم 16 /3 /1969م، ظهر نور فوق الكنيسة، وسحابة من البخور فى التاسعة والنصف مساءً، وظهرت «السيدة العذراء» فى الثانية والنصف صباحًا، وأنه فى 23 /3 /1969م حضر ثلاثون شخصًا من «سويسرا»، بينهم سيدة عجوز عمرها 92 سنة مشلولة منذ 20 عامًا، شُفيت فى كنيسة الزيتون قبل عام، وقد أتت فى ذٰلك اليوم لتقديم الشكر. و… والحديث فى «مِصر الحُلوة» لا ينتهى.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى