تابعنا في مقالة سابقة الحديث عن حكام «الدولة الإخشيدية» في «مِصر»: «أُنُوچُور» وأخيه «علىّ أبى الحسن بن الإخشيد»، الذي اجتاح «مِصر» في أيامه غلاء شديد ازداد بسبب نقص مياه النيل، مع اضطرابات عظيمة ألَمّت بها وبـ«الإسكندرية» بسبب الخلفاء الفاطميِّين، و«كافور الإخشيدىّ» الذي حكم إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرين يومًا مع كل من «أُنُوچُور» و«علىّ»، ومنفردًا قرابة سنتين وأربعة أشهر وبضعة أيام، حتى وفاته عام 357هـ (968م)، حيث تولى من بعده «أحمد بن علىّ الإخشيد».
«أحمد بن علىّ بن الإخشيد» (357- 358هـ) (968- 969م)
صار له حكم «مِصر» بعد موت «كافور الإخشيدىّ،» وهو صبىّ في الحادية عشْرة! لٰكنه كان في وصاية عمه «الحسن بن عُبيد الله بن طُغْچ الإخشيد» فكان الحكم الفعلىّ له. وفى أيامه، أساء وزيره «أبوالفضل جعفر» تدبير الأمور، وألقى القبض على بعض الناس وصادر أموالهم وأملاكهم، وكان منهم «يعقوب بن كِلِّس»، الذي فر إلى «المغرب» وكان له دور كبير في قدوم «الفاطميِّين» إلى «مِصر».
عام 358هـ (969م)، قبض «الحسن» على الوزير «جعفر» بسبب إساءاته، ثم رحل بالجُيوش إلى «الشام» لمحاربة «القرامطة» المستولين عليها، وفى تلك الأثناء قدِم إلى «مِصر» القائد «جوهر الصقلىّ» فاستولى عليها، ثم أرسل قواده إلى «الشام» للاستيلاء عليها أيضًا حيث ألقَوا القبض على «الحسن بن عُبيد»، وساقوه إلى «مِصر» أوائل عام 359هـ (970م) إلى القائد «جوهر الصقلى»، الذي أرسله بدوره مع الأسرى إلى الخليفة «المعز لدين الله الفاطمىّ»؛ وهٰكذا قضى على «الدولة الإخشيدية» في «مِصر» بعد حكم استمر قرابة أربع وثلاثين سنة.
أمّا عن أحوال «الكنيسة القبطية»، فكان بعد نياحة «البابا مقار الأول» عام 953م- في أثناء حكم «أُنُوچُور بن الإخشيد»ـ أن اختير «البابا ثاؤفانيوس» للسُّدة المَرقسية.
«البابا ثاؤفانيوس» (341- 344هـ) (953- 956م)
كان من مدينة «الإسكندرية». سِيم راهبًا بـ«دير القديس مقاريوس ببرية شِهيت» باسم «ثاؤفانيوس». وكان بعد نياحة «البابا مقار الأول» أن انتُخب الراهب «ثاؤفانيوس» ليصير البطريرك الستين على كرسىّ «مار مرقس الرسول» ووقتئذ كان شيخًا طاعن السن، حادّ الطباع، فيذكر لنا «القَسّ مَنَسَّى يوحنا»: «وكان «البطريرك ثاؤفانيوس» حادّ الطبع، سريع الغضب، كثير الحُمق، غير قادر على كبح جماح غيظه؛ وقيل إن ذٰلك كان بسبب روح نجس تسلط عليه، وقال بعضهم إنه نشأ عن مرض عصبىّ كـ«الصرع» أو خلافه كان يفاجئه فيغير أطواره».
ومع بَدء خدمة «البطريرك ثاؤفانيوس»، مرت بالكنيسة القبطية ضائقة مالية شديدة، إذ خلت خزينة البطريركية من الأموال بسبب الضرائب التي كانت تُفرض على الأقباط من الحكام والوُلاة، وألف دينار كانت تُقدم إلى الكنائس بالإسكندرية. وذات مرة، لم يتمكن البطريرك من دفع مبلغ الألف دينار فطلب من كنائس الإسكندرية التنازل عن الأموال المستحقة لها أو تخفيضها، لٰكن الإسكندرانيِّين لم يقبلوا وخاصموا البطريرك وضيَّقوا عليه!!
ويذكر المؤرخون أنه حين رأى «البطريرك ثاؤفانيوس» تصميم الإسكندرانيِّين على المطالبة بالغرامة، صبَّ جام غضبه عليهم، موجِّهًا إليهم اللعنات والويلات وموبخًا إياهم بأسلوب عنيف حتى استاء كل مَن كان حاضرًا!، وحادثه الكهنة بكلمات قاسية!!، فلم يَزده ذٰلك إلا غضبًا وصياحًا، وظل على هٰذه الحال حتى قرر بعض الأساقفة نقله إلى «بابليون»، ظانِّين أنه يهدأ متى استنشق نسيم النيل؛ فحملوه في مركب متجه إلى هناك، إلا أنه في الطريق، لم يكُفّ عن هِياجه ولعناته- وقد ذكر أنه مات وتعددت الآراء في كيفية موته؛ فكانت وفاته في 956م بعد رئاسة ثلاث سنوات تقريبًا- وقيل أربع؛ ثم خلَفه على الكرسىّ الإسكندرىّ «البابا مينا الثانى»، و.. والحديث في «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي