تحدثنا فى مقالة سابقة عن انتهاء عصر «الدولة الإخشيدية» ودخول «الفاطميِّين» إلى «مِصر»، فى أيام «البابا مينا الثانى»، الذى تناولنا الحديث عنه حتى نياحته عام ٩٥٧م.
«مِصر» تحت حكم الفاطميِّين
عندما استولى الفاطميون على «مِصر» كانت – كما ذكرنا سابقًا – تحت حكم «أحمد بن على بن الإخشيد»، الذى تولى أمور البلاد بعد موت «كافور الإخشيدى» اسمـًا فقط إذ كان فى وصاية عمه «الحسن بن عُبيد الله بن طُغْچ الإخشيد» الذى كان له الحكم الفعلى. وفى عام ٣٥٨هـ (٩٦٩م)، قدِم إلى «مِصر» القائد «جوهر الصقلى» واستولى على «مِصر» ليقضى على «الدولة الإخشيدية» بعد أن حكمت قرابة أربع وثلاثين سنة.
«جوهر الصقلى»
هو «أبوالحسن جوهر بن عبدالله»، القائد «المُعِزِّى»: فقد كان من كبار قواد «المُعِزّ لدين الله» حاظيـًا بمكانة مخصوصة لديه. جهّزه «المُعِزّ» للقدوم إلى «مِصر»، وزوده بالأموال والذهب بما لا يحصَى ولا يُعد والرجال والعتاد والمؤن، مُطلقـًا يده فى كل ما أعطاه لأجل الاستيلاء على «مِصر» بعد موت «كافور الإخشيدى»، إذ قد وصلته أخبار بضعف أحوالها؛ فيذكر «ابن تغرى»: «قال غير واحد: كان قد انخرم (انقضى) نظام «مِصر» بعد موت «كافور الإخشيدى» لما قام على «مِصر» «أحمد بن عليّ بن الإخشيد» وهو صغير، فصار ينوب عنه ابن عم أبيه «الحسن بن عبيد الله بن طُغْچ… فقلّت الأموال على الجند؛ فكتب جماعة منهم إلى «المعز لدين الله معدّ» وهو بـ«المغرب» يطلبون منه عسكرًا ليسلموا إليه «مِصر»، فجهّز «المعز» «جوهرًا» هـٰذا بالجيوش والسلاح فى نحو ألف فارس أو أكثر». ويذكر «ابن الأثير»: «وكان سبب ذٰلك أنه لما مات «كافور الإخشيدى» صاحب «مِصر» اختلفت القلوب فيها، ووقع بها غلاء شديد، حتى بلغ الخبز كلُّ رطل بدرهمين، والحِنطة (القمح دون قشوره) كلُّ وَيبة (سدس الإردَبّ أو ٢٤ كيلو جرامـًا) بدينار وسدس مِصرى. فلما بلغ الخبر بهـٰذه الأحوال إلى «المعز» – وهو بـ«إفريقيّة» – سيّر «جوهرًا» إليها…»؛ إضافة إلى ذٰلك ما ذكرناه سابقـًا عن دَور «يعقوب بن كِلِّس» الذى صودرت أمواله وأملاكه فى «مِصر» ففر إلى «المغرب»، وكان له دور كبير فى قدوم «الفاطميِّين» إلى «مِصر»، وضعف أحوال الدولة العباسية. رحل «جوهر الصقلى» من «المغرب» متجهًا إلى «مِصر» أوائل عام ٣٥٨هـ (٩٦٩م)، ونزل بجيوشه عند «تَرُوجة»، ناحية «زاوية صقر» بـ«أبى المطامير» بالبحيرة، بالقرب من الإسكندرية حيث لم يجد مقاومة تذكر هناك. أما عن فتح مصر فقد اختلفت الروايات فيه: إذ ذكر كل من «المقريزى» و«ابن تغرى» أن «جوهرًا» قد كتب عهد الأمان للمصريين، ثم نُقض واندلع قتال بين «جوهر» وجيشه وبين «الإخشيديِّين»، انتهى بانتصار «جوهر»، وبقتل كثير من «الإخشيديِّين» وهزيمتهم؛ فأرسلوا طالبين الأمان فأمّنهم «جوهر» ليفتح «مِصر» ويدخلها بعد أشهر قليلة من قدومه إليها؛ فى حين ذكر «ابن الأثير» أنه حين وصل خبر قدوم القائد «جوهر» إلى العساكر الإخشيدية بـ«مِصر»، هربوا جميعـًا قبل وصوله؛ وهـٰكذا صارت «مِصر» تحت الحكم الفاطمى. وعندما تمكن «جوهر» من «مِصر»، أرسل يبشر «المعز لدين الله الفاطمى» بفتحها؛ وقد قيل فى ذٰلك من الشعر:
يَقُولُ بَنُو الْعَبَّاسِ: هَلْ فُتِحَتْ مِصرُ؟ فَقُلْ لِبَنى الْعَبَّاسِ: قَدْ قُضِى الْأَمْرُ!
وَقَدْ جَاوَزَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ جَوْهَرٌ تُصَاحِبُهُ البُشْرَى وَيَقْدُمُهُ الْنَّصْرُ
تسلم «جوهر» حكم «مِصر»، وخطب على مِنبرها، ودعا لمولاه «المُعِزّ»، وأبطل الدعوة لـ«بنى العباس». ثم شرع «جوهر» فى بناء مدينة «القاهرة» فى أيام الخليفة العباسى «المطيع لله الفضل»…. و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى