أهنئ إخوتنا المسلمين في «مِصر» والشرق الأوسط والعالم بالاحتفال بـ«عيد الفطر» كما أهنئ شعب «مِصر» ومَسيحييه بذكرى قدوم السيد المسيح إلى أرضها، متمنيًا للمِصريين جميعًا كل الخير والسعادة والسلام.
«مِصر» بلد البركات
منذ فجر التاريخ الإنسانىّ و«مِصر» تحتل مكانة خاصة جدًّا؛ فهى بلد البركات إذ كانت الملجأ لأنبياء الله: لجأ إليها «إبراهيم» خليل الله، وجاءها «يعقوب» نبىّ الله وبنوه، وعاش فيها «يوسف الصديق» وصار الرجل الثانى بعد فرعون «مِصر». وفى «مِصر» وُلد كليم الله «موسى النبى» وتهذب بكل حكمة المِصريِّين، ومنها تزوج الملك والنبى «سُلَيمان الحكيم» أحكم ملوك الأرض ابنة فرعون. و«مِصر» البلد الوحيد الذي استقبل «السيد المسيح» وأمه القديسة «مريم العذراء» وعاشا بين رُبوعها في مدنها وقراها مع «يوسف النجار»، وهكذا يُعد هروب العائلة المقدسة إلى «مِصر» حدثًا تاريخيًّا شهِدته أرضها ودونته صفحات التاريخ الإنسانىّ لتصبح بلد البركات، إذ قيل: «مباركٌ شعبى مِصر»؛ فدائمًا «مِصر» وشعبها علامة فارقة في التاريخ والحضارات والأديان؛ إنها وطن الخير والبركة والمحبة والسلام والأمان.
الهروب
سعى الملك «هِيرودُس» لقتل السيد المسيح، فظهر ملاك الرب لـ«يوسُِف النجار» في حُلم وأمره بالهروب إلى أرض «مِصر»؛ فما كان منه إلا إن أسرع وأخذ الصبىّ وأمه ليلاً هاربًا إلى «مِصر»، في رحلة شاقة مليئة بالأتعاب والآلام والأخطار. إلا أن هذا الهروب كان تحقيقًا لنبوات العهد القديم: فتنبأ «هوشع النبى»: «من مِصر دعوتُ ابنى»، وتحدث عنه «إِشَعياء النبى»: «هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مِصر، فترتجف أوثان مِصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها»، وتمت نبوءته القائلة: «يكون مذبح للرب في وسط أرض مِصر وعمود للرب عند تخمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مِصر»؛ وهذا المذبح هو مذبح «كنيسة السيدة العذراء الأثرية بدير المُحَرَّق» بأسيوط، الذي يقع في منتصف أرض «مِصر»، حيث مكثت العائلة المقدسة قرابة ستة أشهر كاملة، والذى سطحه هو الحجر الذي كان ينام عليه السيد المسيح وهو طفل. أما العمود الذي عند تخم «مِصر»، فهو كرسىّ «مار مرقس الرسول» كاروز الديار المصرية في الإسكندرية حيث أسس كنيستها الرسولية.
ويُذكر أن العائلة المقدسة لم تسلك أحد الطرق الثلاثة المعروفة للقوافل التجارية ورحلات السفر آنذاك هربـًا من شر «هِيرودُس» الذي أرسل جواسيسه لاقتفاء أثر العائلة المقدسة والقبض على الصبىّ ليُهلكه. ونتوقف عند بعض المَِحطات في هروب العائلة المقدسة.
«الفَرَما»
كانت «الفَرَما» هي باب الدخول إلى «مِصر». وقد ذكر الراهب «برنارد» الذي جاء من «أنطاكية» إلى «مِصر» عام ٨٧م أنه رأى في «الفَرَما» كنيسة مكرَّسة باسم القديسة «العذراء مريم» بجوار مغارتها تَذكارًا لمرور العائلة بها. وقد أقامت العائلة المقدسة بضعة أيام في «الفَرَما»، ثم تحركت نحو شرق الدلتا.
«تل بسطا»
توقفت العائلة المقدسة في «تل بسطا» (أو «تل بسطه») قرب مدينة «الزقازيق» بمحافظة «الشرقية»؛ وبالمدينة شجرة استظلت تحتها العائلة المقدسة، ونبع ماء أنبعه السيد المسيح عندما رفض أهل المدينة تقديم بعض الماء لأفراد العائلة المقدسة! كذلك ترتبط مدينة «تل بسطا» باسم «قلوم» الذي دعا العائلة المقدسة إلى منزله وأكرم ضيافتها، والذى شفى السيد المسيح زوجته المصابة بمرض عضال ثلاث سنوات. وقد تسبب وجود العائلة المقدسة في سقوط التماثيل الجرانيت الضخمة للآلهة، كما ذكرت نبوءة العهد القديم؛ وانتشر الحادث في أنحاء البلدة حتى وصل الأمر إلى الحاكم؛ وبالبحث علِم أن السبب هو وجود سيدة تحمل طفلًا صغيرًا وهو في الأغلب الطفل المقدَّس الذي يبحث عنه «هِيرودُس». أمر الحاكم بالقبض على الصبى؛ فأسرعت العائلة المقدسة بمغادرة المدينة ليلاً… و… والحديث في «مصر الحلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى