تحدثنا فى المقالة السابقة عن «مِصر» بلد البركات التى دائما ما كانت ملجأ الأنبياء، وعن هروب «العائلة المقدسة» إلى «مِصر» الذى كان تحقيقًا لنبوات «العهد القديم». وتوقفنا عند بعض المَِحطات فى الهروب: «الفَرَما»، و«تل بسطا» حيث سقطت أوثان «مِصر» وهو ما أثار حاكم البلاد فأمر بالقبض على الطفل؛ فما كان من «العائلة المقدسة» إلا أن أسرعت بمغادرة المدينة ليلاً.
«مسطرد» (المَحَمّة)
فى مغارة بـ«مسطرد»: أقامت «العائلة المقدسة»، وقد أنبع السيد المسيح فى تلك المنطقة نبعًا ـ ما يزال حتى اليوم ـ حيث اغتسل بمائه وتحمَّم لذلك يُدعى المكان بـ«المَحَمَّة»، وكان ماء ذلك النبع يشفى كل من يستعمله؛ ثم بُنيت كنيسة فيما بعد على اسم «السيدة العذراء» معروفةٌ باسم «العذراء بمسطرد».
«سمنود»
عندما وصلت «العائلة المقدسة» إلى مدينة «سمنود» (جمنوتى ـ ذب نثر)، استقبلها أهلها استقبالاً حافلاً ونالوا بركة خاصة من السيد المسيح وهو طفل. وذُكر أن «السيدة العذراء» فى تلك المدينة قد عجنت فى ماجور كبير مصنوع من الجرانيت ـ باقٍ حتى الآن- وبالمدينة أيضًا بئر ماء باركه السيد المسيح.
«سخا»
تُعد مدينة «سخا» مَِحطة مهمة فى رحلة «العائلة المقدسة» إذ ما يزال بها حجر هو قاعدة عمود طُبعت عليه آثار قَدمى السيد المسيح بعد أن أوقفته «السيدة العذراء» فوق صخرة فغاصت قدماه فى الحجر وانطبع أثرهما عليه؛ لذلك عُرفت المَِنطَِقة باسم «بيخا إيسوس» أى «كعب يسوع»! وقد أُخفى الحجر زمنًا طويلاً خوفًا من سرقته إلى أن اكتُشف فى ١٩٨٤/٩/٢٧م عند ترميم المذبح، كذلك أنبع السيد المسيح ماءً ارتوت منه «العائلة المقدسة».
«مريوط»
باركت «العائلة المقدسة» مَِنطَقة «مريوط» فى أثناء انتقالها من مدينة «سخا» إلى «وادى النطرون»؛ يذكر لنا «القمص رافائيل آڤا مينا» فى بحث مُشوِّق أنه لم يكُن طريق مباشر بين مدينة «سخا» و«وادى النطرون»، بل كانت صحارى واسعة وبحيرات؛ فاتبعت «العائلة المقدسة» طريقًا قديمًا عبر أحد فروع «نهر النيل» ذى السبعة أفرع آنذاك؛ وكان ذلك الفرع يصب فى «بحيرة مريوط» حيث وصلت «العائلة المقدسة» إلى ميناء ما تزال آثاره حتى اليوم، ومن هذا الميناء انتقلت إلى مدينة «ماريا» التى تُطل على البحيرة، ثم إلى مدينة «مريوط الأثرية» التى تسمى «مدينة بومينا» أى «مدينة مار مينا» ـ حيث دُفن «الشهيد مار مينا العجائبىّ» ـ والتى كانت ملتقى الطرق القديمة من الجنوب إلى شَمال الوادى. وكان طريق مشهور حتى وقت قريب للمسافرين يربِط بين «وادى النطرون» و«مَِنطَِقة مار مينا الأثرية» يسلكه رهبان «وادى النطرون» عند زيارتهم لتلك المَِنطَِقة: «كان «أنبا ثاوفيلس» رئيس «دير السريان» يسير فى هذا الطريق من «وادى النطرون» إلى «مَِنطَِقة مار مينا» عبر الصحراء، فى طريق معروف لكل سكان الصحراء يبلغ طوله سبعين كيلومترًا تقريبًا (وهو غير الطريق الصحراوى الحالى الذى تبلغ فيه المسافة بين «وادى النطرون» ومَِنطَِقة «بومينا» مئةً وعشرين كيلومترًا تقريبًا)؛ وظل هذا الطريق معروفًا للرهبان، وكانت سيارات سلاح «حرس الحدود» تسير فيه بكل أمان، إلى أن عمَرت الصحراء وأُنشئت الترع والمصارف فأُلغى هذا الطريق الذى كان يمر به كل من يريد أن يعبر إلى الشَّمال نحو «ليبيا».
وبذلك تكون «العائلة المقدسة» قد انتقلت من «سخا» إلى «بحيرة مريوط» ومنها إلى مدينة «بومينا الأثرية»، ثم إلى «وادى النطرون» بذلك الطريق القديم حيث إنه لم يكن طريق ممهد أو معروف فى ذلك الحين يمر بالصحراء للذَّهاب إلى «وادى النطرون». و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى