تحدثنا بالمقالة السابقة عن حكم «العزيز بالله» (365-386هـ) (976-996م) الذى دام واحدًا وعشرين عامًا وبضعة أشهر حتى تُوفى عام 386هـ (996م)؛ وكان ما يزال على سُدة الكرسىّ المَرقسىّ فى أيامه «البابا أبرآم بن زرعة».
«البابا أبرآم بن زرعة» (975-979م)
الثانى والستون فى بطاركة الإسكندرية. عاصر خليفتين من الدولة الفاطمية التى حكمت «مِصر» 969-1171م: «المُعِزّ لدين الله»، و«العزيز بالله».
سيامته
كان بعد نياحة «البابا مينا الثانى» الحادى والستين فى بطاركة الإسكندرية أن اجتمع الآباء الأساقفة لبحث سيامة بطريرك؛ وبينما هم يناقشون الأمر، ولم يكُن رأيهم قد استقر على اختيار لذٰلك المنصب بعد، إذا رجل تاجر سريانىّ ثرىّ مشهور بـ«أبرآم السريانىّ» يدخل عليهم، كان معروفًا بكثرة تردده على «مِصر»، ومشهودًا له بالفضيلة، وبأعمال الخير والرحمة وبخاصة مع الأرامل والأيتام والمساكين؛ فعندما رآه الآباء المجتمعون، استقرت آراؤهم بالإجماع على اختياره بطريركًا فسِيم عام 975م؛ وحين تولى مسؤولية الرعاية، وزع جميع أمواله على الفقراء والمساكين، وطفِق يحيا حياة الزهد والخدمة نحو رعيته.
«البابا أبرآم» والوزير «ابن مينا»
حدث فى أيام حَبرية «البابا أبرآم بن زرعة» أن عُين الوزير القبطىّ «قُزمان بن مينا» واليًا على «فِلَسطين»، فترك «قُزمان» لدى البابا مائة ألف دينار على سبيل الأمانة إلى أن يعود، موصيًا بتوزيعها على الفقراء والمساكين والكنائس والأديرة حال موته هناك. وبعد أن وصلت أخبار حرب بين «الفاطمىّ ِين» و«أفكتين» الذى استولى على بلاد «الشام» و«فِلَسطين»، ظن البابا أن «قزمان» مات إذ لم تصل أىّ أخبار عنه؛ فوزع الأموال طبقًا لوصيته. إلا أن «قزمان» نجا من الموت وعاد إلى «مِصر»، فأخبره البابا بما فعله بوديعته؛ فاكتنفه سرور غامر.
«البابا أبرآم» يقاوم العادات الرديئة
ويُذكر عن «البابا أبرآم بن زرعة» أنه قاوم عادات رديئة تفشت فى زمان رعايته ونجح فى إبطالها: فقد منع وحرم كل من يأخذ رَُِشوة لنوال درجة كنيسة، كما حرم عادة اتخاذ السَّرارىّ؛ وقد استمع له الشعب عدا رجل يُدعى «أبا السُّرور» كان له شأن عظيم فى البلاد، لم يتوقف البابا عن وعظه بكل أناة ومحبة، لٰكن الرجل لم يقبل بل أغلق بابه أمام الأب البطريرك فانتهى به الأمر أسوأ نهاية.
وفى عصر «البابا أبرآم» أيضًا حدثت معجزة «نقل جبل المقطم» (وقد ذكرناها فى مقالة سابقة)، وجدّ هو فى الاهتمام بعمارة الكنائس، حتى تنيح عام 979م بعد أن جلس على الكرسىّ المَرقسى ثلاث سنين وستة أشهر، وكان ذٰلك فى السنوات الأُوَل من حكم «العزيز بالله» الفاطمىّ؛ ثم جلس على الكرسىّ المرقسىّ من بعده «البابا فِيلُوثاؤس».
«البابا فِيلُوثاؤس» (979-1004م)
الثالث والستون فى بطاركة الكرازة المَرقسية. عاصر كلاًّ من الخليفة «العزيز بالله» و«الحاكم بأمر الله». فبعد نياحة «البابا أبرآم بن زرعة»، خلا الكرسىّ المَرقسىّ قُرابة ستة أشهر، حتى اجتمع الأساقفة لاختيار بطريرك: فجاء ذكر اسم راهب تقىّ من «دير القديس مكاريوس» يُدعى «يوحنا» فأرسلوا فى طلبه؛ وعندما حضر رأَوه شيخًا كبيرًا طاعنًا فى السن! لٰكنهم لمحوا معه تلميذًا له يُدعى «فِيلُوثاؤس» طويل القامة جميل المنظر فجعلوه بطريركًا.
وفى أيام «البابا فِيلُوثاؤس»، فرض «بنو مطيع» ـ عائلة قبطية ثرية تتمتع بسطوة ـ نفوذها على الكنيسة، حتى إنها جعلت موافقتها شرطًا لسيامة الأساقفة!!، بل كان أعضاؤها ينالون مالاً ممن يرغبون السيامات الكنسية، وكان البابا موافقًا لرأيهم. ويُذكر عن «البابا فِيلُوثاؤس» أنه رسم مِطرانًا لـ«إثيوبيا» بِناءً على رغبة ملكها بعد انقطاع طويل بين كنيستى الإسكندرية وإثيوبيا، كما ذُكر عدم اهتمامه براحة رعيته وانكبابه على راحته الشخصية، حتى مات مريضًا فى فراشه، بعد أربع وعشرين سنة وثمانية شهور بطريركًا؛ ثم خلفه «البابا زخارياس».
أمّا حكم «الدولة العباسية»، فـ… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى