تحدثنا فى المقالة السابقة عن الخليفة العباسىّ «القائم بأمر الله» (422-467هـ) (1031-1075م) وسقوط سلطان «آل بُوَيه» على يد «السلاﭼقة»، حيث صارت الخلافة العباسية خاضعة لنفوذهم الذى امتد إلى أكثر من مائة وثلاثين عامًا 447-575هـ (1055-1180م).
وفى تلك الأيام كانت الاضطرابات تملأ «بغداد»؛ فانتهز «طُغْريل بك» قيام تلك الفتن والقلاقل وسَجن «الملك الرحيم» آخر سلاطين «آل بُوَيه» فشرد جنده وأتباعه؛ فانضم عدد كبير منهم إلى شخص يُدعى «البَساسِيرى» وهو أحد مماليك «بهاء الدولة البُوَيهىّ وكان قد حاول من قبل انتزاع السلطة من «الملك الرحيم»، حتى إنه تولى منصب أمير الأمراء. ثم حدث خلاف كبير بين الخليفة العباسىّ و«البَساسِيرى» وشبت الفتن والاضطرابات؛ فاستنجد الخليفة العباسىّ بالسلاﭼقة، ودخل «طُغْريل بك» إلى «بغداد» وتولى السلطة بها ـ كما ذكرنا سابقًا.
هرب «البَساسِيرى» إلى «سوريا» حيث انضم إلى الفاطميِّين فازداد قوة ونفوذًا حتى إنه استطاع التغلب على قوات السِّلـﭼوقيِّين الذين أُرسلوا لمحاربته. وفى عام 448هـ (1056م)، خرج «طُغْريل بك» إلى «البَساسِيرى» وحاربه وانتصر عليه، ثم عاد إلى «بغداد» ففرِح الخليفة «القائم بأمر الله» بانتصار «طُغْريل بك» ولقبه بـ«ملك المشرق والمغرب»!.
فى عام 450هـ (1058م)، انتهز «البَساسِيرى» فرصة غياب «طُغْريل بك» عن «بغداد» بعد خروجه على رأس جيش لتأديب أخيه «إبراهيم السِّلـﭼوقىّ» الذى ثار عليه ـ وكان قد وضعه لحكم «الموصل» ـ فشن «البَساسِيرى» هجومًا على «بغداد» مستوليًا عليها، وأعلن خلع الخليفة العباسىّ «القائم بأمر الله». ويذكر «حسن خليفة» عن تلك الحقبة: «وكان «البَساسِيرى» يترقب الفرصة للزحف عليها [على «بغداد»]، فلما بلغه الخبر [خروج «طُغْريل بك» لمحاربة الثائرين]، زحف على عاصمة الخلافة على رأس جيش كبير من السوريِّين والمِصريِّين؛ وفى أوائل شهر ذى القعدة سنة 450هـ (1058م) استولى على «بغداد» وأعلن خلع الخليفة، وأخذ البَيعة على الناس من الشيعة وأهل السنة «للمستنصر» الخليفة الفاطمىّ.
وخرج «البَساسِيرى» بعد ذٰلك واستولى على «واسط» و«البصرة»… وأرسل شعار الخلافة إلى الخليفة الفاطمىّ، واستقر الأمر له فى العراق».
وفى عام 451هـ (1059م)، بعد مقاتلات شديدة انتصر «طُغْريل بك» على الثائرين، ثم عاد إلى «بغداد» لاستردادها، وتمكن من استعادة أمور الحكم للعباسيِّين، وأعاد الخليفة «القائم بأمر الله» إلى عرشه، ونفى «البَساسِيرى» من «بغداد»؛ فيذكر «ابن الأثير»: «وكان دخول «البَساسِيرى» وأولاده «بغداد» سادس ذى القعدة سنة خمسين؛ وخرجوا منها سادس ذى القعدة سنة إحدى وخمسين»؛ ثم خرج «طُغْريل بك» إلى «البَساسِيرى» لمحاربته وتمكن من الانتصار عليه وقتله.
وقد ذكر بعض المؤرخين أن «طُغْريل بك» السِّلـﭼوقىّ أخذ يتقرب إلى الخليفة العباسىّ «القائم بأمر الله» بالسبل والوسائل كافةً؛ حتى نجح فى أن يزوج الخليفة من أسرة السِّلـﭼوقيِّين، كما تزوج «طُغْريل بك» ابنة الخليفة عام 454هـ (1062م). وفى عام 455هـ (1063م)، تُوُفِّى «طُغْريل بك» وآلت سلطاته إلى ابن أخيه «أَلْب أرسلان بن داود بن ميكائيل» إذ لم يكُن له ابن يرثها. وقد ذكر «ابن الأثير» فى «أَلْب أرسلان»: «وكان كريمًا عادلاً، عاقلاً لا يسمع السعايات (النميمات والوِشايات)، واتسع ملكه جدًّا ودان له العالم، وبحق قيل له «سلطان العالم».
وكان رحيم القلب رفيقًا بالفقراء، كثير الدعاء بدوام ما أنعم الله به عليه… وكان يكثر الصدقة… ولما اشتُهر بين الملوك بحسن سيرته ومحافظته على عهوده، أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصى ما وراء النهر إلى أقصى «الشام»…».
وفى أيامه حدثت حروب شديدة بينه وبين الروم انتصر هو فيها، ثم انتهت بصلح بين الطرفين. وأخذ نفوذ «أَلْب رسلان» فى الاتساع. وقد بُنيت المدرسة النظامية فى «بغداد» عام 458هـ (1066م). وفى عام 465هـ (1072م)، تُوُفِّى «أَلْب أرسلان» فخلفه ابنه «جلال الدولة». وفى عام 467هـ (1074م) تُوُفِّى الخليفة «القائم بأمر الله»، وخلفه حفيده «المقتدى بأمر الله»، بعد حكم قرابة أربعة وأربعين عامًا شهدت كثيرًا من الاضطرابات والفتن. و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى