تمضى بنا الأيام، وترحل من عام إلى عام، وتتوالى الأحداث وتعبر بنا جميعًا. ومع كل ما يمر بنا، لا بد من بداية: بداية نتوقف لديها، ونتمهل لاستيعاب ما مر بنا من دُروس فى جميع ما مضى بنا من مواقف، ونخطط لما يتلوها من أيام. فمع أن عادات الشعوب تختلف فى استقبال العام الجديد، فإنها اتفقت جميعها على أهمية استقباله والاستعداد له. ومع بدء عام جديد، يحتاج كل إنسان إلى التوقف قليلاً للاستيعاب: إلى أين سارت خطواته فى العام المنقضى؟ وماذا حقق فيه من أهداف؟ ثم يخطط ما يرغب فى إنجازه فى العام الجديد. فالسير فى طريق الحياة دون علامات أو إشارات أو معالم لن يصل بنا إلى ما نرغب فى تحقيقه.
قرأت قصة لطيفة لا تخلو من كثير من الحكمة، تحكى عن أن عامًا قديمًا قاربت شمس أيامه على المغيب، قرر أن يكتُب رسالة إلى العام الجديد الذى أوشك العالم على استقباله. لقد شعر العام القديم بأنه راحل فى غضون أيام قليلة، وبات لا يملِك إلا أيامًا معدودات، فأمسك بورقة وقلم، وجلس يخُطّ رسالته إلى العام الجديد الذى لن يستطيع أن يلقاه. فكتب فى رسالته أنه سيترك كل ما له من إنجازات، وما عليه من ديون أو تقصيرات للعام الجديد، ثم قدم له النصح قائلاً: لا تضيع يومًا واحدًا! لقد كان لى رصيد كبير من الأيام عندما بدأت، لكن الأيام انسابت وانسلت من بين يدى شيئًا فشيئًا حتى أوشكت على الانتهاء ولم أحقق ما أريد؛ لذلك أطلب منك يا صديقى الجديد أن تُحْسن استخدام ثروتك من تلك الأيام الموهوبة لك؛ فإنها كَنزك الحقيقى.
ثم توقف العام القديم عن الكتابة، وأمسك برسالة قديمة عمرها ثلاث مائة وخمسة وستون يومًا من سلفه، يخبره فيها بأن الحروب قد ملأت أيامه، موكلاً إليه مهمة تحقيق السلام فى العالم. وتزاحمت الأفكار فى فكر العام الجديد عن كل ما مر به من أحداث، لكنه استجمع شتاتها وعاود استكمال رسالته كاتبًا: إنى لم أستطِع أن أحقق كل ما حُمّلتُ به من آمال؛ لذلك ها أنا أترك لك يا صديقى الجديد استكمال المهمة مع أولئك البشر الرائعين الذين يرغبون فى غرس الخير وتأصيله فى كل مكان.
واليوم، قارئى العزيز، لديك رصيد كامل من أيام العام الجديد، وعليك أن تستعمله بحكمة شديدة وهمة وطيدة وعمل دؤوب؛ من أجل تحقيق ما ترغب فى جوانب حياتك: سواء على المستوى الشخصى، أو الأسرى، أو العملى، أو الدراسى. وتيقن أن كل ما يخسَِره الإنسان يمكنه تعويضه إلا الزمن الذى لا تُمْكن استعادته. إن للدقائق قيمة كبيرة، وكما يقولون: «قيمة الدقائق أكثر من المال فأنفقها بحكمة»؛ فلا تدَع الأيام تتسرب من بين يديك دون عمل. وعليك أن تحدد وقتًا فى نهاية اليوم أو الأسبوع لتفكر وتتأمل فيما تصنعه. وبينما أنت تعمل، عليك أن تتذكر أن لديك رسالة فى الحياة قد وُجدتَ من أجل تحقيقها وإتمامها، وأنه يوجد أشخاص رائعون يشاركونك الحُلم، ولديهم المواهب التى تتكامل ومواهبك لتحقيق حلم وأمل أعظم.
أهنئكم جميعًا فى أول أيام العام الجديد، متمنيًا أن يحمل إلينا جميعًا الخير والسلام، وأن يديم الله على بلادنا البركة والأمن والطمأنينة، وأن يحُِل بسلامة على الإنسانية،… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى