أيام قليلة تفصلنا عن الاحتفال بذٰلك الشخص العجيب الذى أدهش كل من تعامل معه؛ إنسان قيل فيه: «هٰذا الرجل ليس من هٰذا العالم»!!، «رجل لا مثيل له»، «قديس حقيقىّ»، «رجل زاهد»؛ هو أحد أبرز الأبطال بصفحات التاريخ المِصرىّ المتلألئة: إنه «البابا كيرِلس السادس» (السادس عشَر بعد المئة فى بطاركة الإسكندرية). ربما ما كُتب عن «البابا كيرلس السادس» بعد رحيله يفوق ما كُتب فى حياته، إلا أن من تحدثوا فى شأنه أدركوا أنهم أمام إحدى الشخصيات التى تتسم ببساطة المظهر وقوة الأعماق فى آن واحد. لقد كتب فيه فضيلة الشيخ «أحمد حسن الباقورى» وزير الأوقاف الأسبق عالم الأزهر: «قداسة «البابا كيرلس السادس» من أولٰئك الكبار الذين لا تستطيع الكلمات إيفاءهم حقهم من المودة والتقدير»، وقال جناب د. «القَسّ لبيب مشرقى» الطائفة الإنجيلية: ««البابا كيرلس السادس»… قطب من أعظم أقطاب العالم المَسيحىّ، ندَر أن يظهر مثله أو يقدَّم نظيره: فى التقى، والورع، وقوة الشخصية، واتساع مدى آفاق الرؤى الروحية، والآمال والأمانى الاجتماعية والسياسية. وأنا إذ أقدم حياته، أقدم حياة كبيرة تميزت بحجمها، لا بمجرد قياس طولها: فهل كانت اثنتَى عشْرة سنة فقط؟!، كلا!… فى مقدار ما قام به الفقيد العظيم من جلائل الأعمال، كانت تتطلب اثنَى عشَر قرنًا ويزيد…»!!. وقد امتدت شهرة «البابا كيرِلس السادس» إلى العالم: فنقرأ كلمات المؤرخ الألمانىّ الأمريكىّ «أوتو ميناردس»: «فى التاسع من مارس، تُوفى «البابا كيرلس السادس»، وهو واحد من البطاركة العظماء من بطاركة الكرسىّ الرسولىّ بـ«الإسكندرية»».
لقد تميزت حياة «القديس البابا كيرِلس السادس» بعمق وقوة يتضافران فى تناغم عجيب، فى بساطة ومحبة متوهجتين، لتنعم «مِصر» بل العالم بشخصية سماوية ملائكية فريدة.
رجل الصلاة
اشتُهر «القديس البابا كيرِلس السادس» بأنه «رجل الصلاة»؛ إذ كان يقيم الصلوات والقداسات يوميًّا طوال حياته. وقد ذكر مثلث الرحمات «البابا شنوده الثالث»: «إن «البابا كيرِلس» ـ نَيَّح الله نفسه فى فردوس النعيم ـ أمضى حوالَى 40 عامًا فى خدمة الكهنوت؛ وفى خلال تلك المدة حرَص فى كل يوم أن يقِيم القداس الإلٰهىّ. لقد كان يحلو له أن يصلى جميع الصلوات، ويترنم بألحان التسبحة، ويصلى المزامير، ولا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله إنسان مثل «البابا كيرلس» استطاع أن يقيم كل هٰذه القداسات… لقد حاولت أن أُحصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته، فوجدت أنه قد صلى ما يزيد على 12 ألف قداس (باستثناء الخمس السنين الأخيرة التى مرِض فيها). وهٰذا أمر لم يحدث فى تاريخ أىّ بابا من باباوات «الإسكندرية»، أو العالم، أوالرهبان». وقد كتبت «جريدة الأخبار» فى عددها الصادر بتاريخ 10/3/1971م: ««البابا كيرلِس السادس»: الزاهد، الذى وهب عمره للتعبد، وأعطى بلاده فكره وصلاته.». نعم، إنه «البابا كيرِلس» الذى كثيرًا ما كان يردد: «نحن لا نعلم ماذا نفعل ولٰكن نحوك أعيننا»؛ فكانت عيناه دائمًا متجهتين صوب السماء فى أوقات التجارب والمحن والآلام كما فى أوقات السكينة والابتهاج.
راهب حقيقىّ
اعتلى «البابا كيرِلس السادس» كرسىّ «القديس مار مَرقس الرسول»، لٰكنه لم ينسَ يومًا أنه الراهب الزاهد التارك العالم بملذاته، واضعًا «الله وحده» نَُصب عينيه؛ فكان ذٰلك أحد أسرار قوته وعمقه. وفى عام 1970م، قال د. القَس «يوﭼين كارسون بليك» الأمين العام لمجلس الكنائس العالمىّ آنذاك، فى حديث صحفىّ: «إن البابا (كيرِلس) رجل بسيط، ولٰكنه عميق… إن عينيه نفاذتان. أصارحك القول: إنى لم أستطِع أن أتطلع فيهما كثيرًا!!، إن البابا يؤمن بالرهبنة، ويتحدث عنها بعشق شديد… إنه رجل زاهد، يزهد فى كل شىء، ذٰلك أظن سر قوته… وذٰلك شعار الراهب الحقيقىّ.». نعم، لقد كان «القديس البابا كيرِلس السادس» راهبًا فى ملبسه ومأكله حتى بعد أن صار بطريركًا، زائرًا من السماء أضاءت «مِصر» بتقواه. و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى