قُدمت فى المقالة السابقة بعض الأدلة من «المَسيحية» و«الإسلام» على الكلمة التى ألقاها الوزير «ﭼو رايت»، وعَرض للوباء الذى يشهده العالم اليوم بوصفه علامة على شدة اجتياح الشر فيه، ورسالة افتقاد من الله- تبارك اسمه- إلى كل نفس من أجل التوبة.
وقد ذُكر الوباء أول مرة فى «المَسيحية» فى «سفر الخروج»، عندما طلب «موسى» و«هارون» من فرعون «مِصر» خروج شعب «إسرائيل» من أرض «مِصر»: «فَقَالاَ: «إِلٰهُ الْعِبْرَانِيِّينَ قَدِ الْتَقَانَا، فَنَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِى الْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، لِئَلاَّ يُصِيبَنَا بِالْوَبَإِ أَوْ بِالسَّيْفِ». وبنظرة سريعة فى «الكتاب»، نلاحظ ارتباطًا شديدًا بين «الوباء» و«الخطية»، فعلى سبيل المثال:
■عندما رفض فرعون رسالة الله إليه بأن يُخرج العبرانيِّين من «مِصر»، أرسل الله تحذيرًا: «فَإِنَّهُ الْآنَ لَوْ كُنْتُ أَمُدُّ يَدِى وَأَضْرِبُكَ وَشَعْبَكَ بِالْوَبَإِ، لَكُنْتَ تُبَادُ مِنَ الْأَرْضِ».
■وتحذير الله إلى شعبه من الخطية: «وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّى بِذٰلِكَ، بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِيبِ الْخِلاَفِ، فَإِنِّى أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ، وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. أَجْلُِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفًا يَنْتَقِمُ نَِقْمَةَ الْمِيثَاقِ، فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ وَأُرْسِلُ فِى وَسَطِكُمُ الْوَبَأَ…».
■عندما اجتمع الشعب على «موسى» و«هارون»: «فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «اِطْلَعَا مِنْ وَسَطِ هٰذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِّى أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ». فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذِ الْمِجْمَرَةَ وَاجْعَلْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ، لِأَنَّ السَّخَطَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. قَدِ ابْتَدَأَ الْوَبَأُ»… فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَسَبْعَمِئَةٍ…».
■عندما أخطأ الشعب إلى الله وعبد «بعل فَغُور»، حمى غضب الرب عليه، وكان الذين ماتوا بالوباء أربعة وعشرين ألفًا، وقد وصف «داود النبى» أن أفراد الشعب: «َأَغَاظُوهُ بِأَعْمَالِهِمْ فَاقْتَحَمَهُمُ الْوَبَاء».
كذٰلك ذُكر الوباء فى «الإسلام» فى «سورة البقرة» عندما حل بقوم من بنى «إسرائيل»: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)، كما ذُكر الطاعون فى الأحاديث: {الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ، ابْتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ}.
وذكر أيضًا فى «الإسلام» أن ما يحدث من كوارث هو بسبب سلوك الإنسان فى الشر: ففى «سورة آل عمران»: (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ)، وفى سورة الإسراء»: «أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا»، وفى «سورة الفجر»: ﴿الَّذِينَ طَغَوْاْ فِى الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾، وبذٰلك يضحى الشر الذى يمر بالبشر هو نتاج أعمالهم الشريرة، وقد قيل عن ذٰلك فى «سورة الشورى»: ﴿َمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾.
إنها رسالة الله جلية السطور إلى العالم: بالعودة إليه، وتقديم البشر الخير بعضهم لبعض بكل نوع وفى كل وقت، فهل من رجاء؟! هل من إنسان يميز بين الشر والخير؟!! هل من إنسان يبحث عن الله؟!! هل من إنسان يسلك بأمانة؟!! هل من إنسان لا يقبل الانحراف؟!! هل من إنسان يهتم بالآخر؟!! هل من إنسان يبالى بالفقراء؟!! هل من إنسان يدرك ما يحدث ويسارع إلى العلاج؟!! هل من إنسان يتعظ ويعظ نفسه قبل غيره؟!! هل من إنسان؟!!
وفى «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى