أهنئكم بـ«عيد القيامة»، الذى احتفل به مَسيحيُّو الشرق قبل أيام قليلة، طالبين إلى الله أن يتدخل برحمته ويرفع عن العالم الوباء والمرض، ويمُنّ بالشفاء، ويحفظ بلادنا من كل شر.
وفى القيامة، يتجدد الأمل فى تلك الحياة الأبدية التى تنتظر الأبرار، حيث لا حزن ولا ضيق ولا ألم، بل فرح لا يُنطق به: «ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان: ما أعدَّه الله للذين يحبونه». وحين يحاول الإنسان استخدام كلمات للحديث عن السماء والأبدية، يجدها عاجزة؛ فيتوقف عند ترديد: «والموت هو ربح».
إلا أننا فى المقابل، نجد فئة من البشر أنكرت وجود الله فى حياتها بالفعل لا بالقول: أعنى أنها تنكره بأعمالها التى يرفضها الله، وأقوالها تتحدث عن الله!!!، فينطبق عليها قول السيد المسيح: «ليس كل من يقول لى: يا رب، يا رب! يدخل ملكوت السمٰوات. بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السمٰوات. كثيرون سيقولون لى فى ذٰلك اليوم: يا رب، يا رب! أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟، فحينئذ أصرح لهم: إنى لم أعرفكم قطّ! اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم!». وقد يصل الأمر إلى أن أمثال أولٰئك من الرعاة كما ذكر «إرميا النبىّ»: «رعاة كثيرون أفسدوا كرمى، داسوا نصيبى. جعلوا نصيبى المشتهَى برّية خرِبة، جعلوه خرابًا ينوح عليَّ وهو خرِب. خرِبت كل الأرض…».
فئة أخرى من البشر قررت أن تنكر وجود الله بالقول والفعل معًا؛ وهكذا لا قيامة ولا دينونة لديها؛ فبعض منها يعود سبب رفضه إلى أنه لا يرى الله رؤية العين!! وقد عبّر «داوود النبى» عنه: «قال الجاهل فى قلبه: (ليس إله)»؛ وأيضًا فى أيام السيد المسيح كان الصَّدوقيون الذين لا يؤمنون بقيامة الأموات، وقد حاوروه وسألوه فى ذٰلك الأمر، وقد وضّح لهم فساد معتقدهم: «وأما من جهة الأموات إنهم يقومون: أفما قرأتم فى كتاب موسى، فى أمر العُلَّيقة، كيف كلمه الله قائلاً: أنا إلٰه إبراهيم وإلٰه إسحاق وإلٰه يعقوب؟ ليس هو إلٰه أموات بل إلٰه أحياء. فأنتم إذًا تَضِلّون كثيرًا!». وفى الزمن القريب، عبّر رائد الفضاء السوڤيتى «يورى جاجارين» عن ذٰلك المعتقد بقوله: «أخذتنى روعة الكون؛ فمضَيت أبحث عن الله فلم أجده»!! إلا أننى لا أجد مفرًّا من التوقف أمام ذٰلك المعتقد الغريب: إذ إن الملحدين يؤمنون بقوى الريح والكهرباء والكهرومغناطيسية دون أن يتمكنوا من رؤيتها رؤية العين، ويرفضون الإيمان بالله لأنهم لا يرَونه بأعينهم!!! فى حين تتحدث عنه جميع أعمال يديه: من طبيعة ونظام كونىّ دقيق!!! بل يكفى الإنسان أن ينظر فى ذاته ليرى قدرة الله وعظمته، اللتين ما يزال العلم يكتشف جديدًا كل يوم بشأنهما فى الأنظمة الدقيقة التى يعمل بها جسده.
فئة ثالثة هم الذين لا ينكرون وجود الله،لكنهم يرغبون فى أن تكون لهم حياتهم الخاصة بعيدًا عنه!! أى أن يبقى الله فى سمائه بعيدًا عنهم!! فئة تتوق إلى العيش بحسب ملذاتها دون قيد أو شرط أو وصية، غير مدركة أن الوصية والتعليم اللذين يقدَّمان إليها هما من أجلها ولسلامها. وهكذا سار هؤلاء دُروب الحياة فى تخبط: فبعضهم صارت الخطيئة وفعل الشر زاد حياتهم، فى حين امتلأت حياة آخرين بالقلق والاضطراب والألم وفقدان السلام، وبعض ثالث صارت حياته سعيًا نحو المُّلك الأرضىّ بحيازة المال أو السلطة أو القوة.
واليوم ونحن نحتفل بأفراح القيامة، علينا أن نضع نَُصب أعيننا الاستعداد ليوم لقاء الله ـ تبارك اسمه- حين يحمل كل منا أعماله واقفًا أمام الديان العادل لينال المجازاة وفقًا لما قدمه: خيرًا كان أم شرًّا! محبةً أم بغضةً! حياةً أم موتًا! والتجرِبة التى تمر بالعالم اليوم جراء انتشار الوباء لهى أشد دليل على شدة ضعف الإنسانية واضطرابها، أمام ڤيروس وُصف أنه ضعيف لا يحتاج إلى مطهرات شديدة التأثير، بل يكفيه استخدام الصابون والماء للقضاء عليه.
نعم، إن البشرية لتظل دائمًا فى احتياج إلى ملجإٍ يهب لها السلام والطمأنينة؛ ولا ملجأ إلا الله ـ تبارك اسمه ـ الحافظ من الشرور، المانح الطمأنينة والسلام، الرافع عن العالم الوباء.
كل عام وجميعكم بخير وسلام. و… وفى «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى