بعد مقالة “الطريق المشؤوم”، وصلتني رسالة من القارئ العزيز م. م.، يتساءل: ماذا يجلُِب الشر على الأرض، من وجهة نظر الأديان؟ وهل عَلاقة بين أعمال الإنسان وما يحدث من شرور؟!
بدأت في رحلة بحث. وأود أن أسرُد بعض النقاط:
أولاً: لقد خلق الله ـ تبارك اسمه ـ الأرض على أفضل هيئة وأدق تكوين وأبدع نظام؛ ففي “المسيحية”: “فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللهُ ٱلسَّمٰوَاتِ وَالْأَرْضَ … وَرَأَى ٱللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا.”. وفي “الإسلام”: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى ٱلسَّمَآء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى ٱلْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾. ثم جعل الإنسان سيدًا على جميع المخلوقات؛ ففي “المسيحية”: “فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ … وَبَارَكَهُمُ ٱللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلَأُوا ٱلْأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ ٱلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلْأَرْضِ».”. وفي “الإسلام”، سخر الكون للإنسان واهبًا إياه من نعمه: ﴿أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾.
ثانيًا: على مدار تاريخ الإنسان، حذر الله البشر من الشر والفساد، ونتائجه التي تمتد آثارها السلبية، لا على حياة الإنسان فقط، بل على الأرض بأسرها. ففي “المسيحية”، الأرض لُعنت بسبب خطية الإنسان: “وَقَالَ لِآدَمَ: «لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ ٱمْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ ٱلَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلًا: لَا تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ ٱلْأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِٱلتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ …”. و”الإسلام” يوضح أن ما يحدث من فساد في البيئة هو نتاج عمل الإنسان الشرير: ﴿ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. وهٰكذا نرى أن الله ـ تبارك اسمه ـ يرفض الشر والفساد، ويحذر الإنسان من عواقبهما؛ ففي “المسيحية” يوصي الله بني إسرائيل ألا يَفسدوا بعمل الشر: ” «إِذَا وَلَدْتُمْ أَوْلَادًا وَأَوْلَادَ أوْلَادٍ، وَأَطَلْتُمُ ٱلزَّمَانَ فِي ٱلْأَرْضِ، وَفَسَدْتُمْ … وَفَعَلْتُمُ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ لِإِغَاظَتِهِ، أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ أَنَّكُمْ تَبِيدُونَ سَرِيعًا عَنِ ٱلْأَرْضِ …”. وفي “الإسلام”: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
ويُعد الظلم بجميع أنواعه وأساليبه من أكثر الشُّرور التي يرفضها الله: “«لَا تَظْلِمْ أَجِيرًا مِسْكِينًا وَفَقِيرًا مِنْ إِخْوَتِكَ أَوْ مِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ فِي أَرْضِكَ، فِي أَبْوَابِكَ. فِي يَوْمِهِ تُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ، وَلَا تَغْرُبْ عَلَيْهَا ٱلشَّمْسُ، لِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَإِلَيْهَا حَامِلٌ نَفْسَهُ، لِئَلاَّ يَصْرُخَ عَلَيْكَ إِلَى ٱلرَّبِّ فَتَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيَّةٌ. “، وأوصى الله: “لَا تَرْتَكِبُوا جَوْرًا فِي ٱلْقَضَاءِ. لَا تَأْخُذُوا بِوَجْهِ مِسْكِينٍ وَلَا تَحْتَرِمْ وَجْهَ كَبِيرٍ. بِٱلْعَدْلِ تَحْكُمُ لِقَرِيبِكَ.”. وفي “الإسلام”: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَار﴾، وأيضًا: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾. فقد أوصت الأديان أن العدل هو طريق الحياة: “ٱلْعَدْلَ ٱلْعَدْلَ تَتَّبعُ، لِكَيْ تَحْيَا”، “فِعْلُ ٱلْعَدْلِ وَٱلْحَقِّ أَفْضَلُ عِنْدَ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ.”. وفي “الإسلام”: ﴿إِنَّ ٱللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ ٱلْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَنْ تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾.
عمل الخير
وإن كنا تحدثنا سابقًا عن أهمية التوبة والرجوع إلى الله، فإن على الإنسان أن يدرك أن التوبة الحقيقية تصاحبها وتلزمها أعمال خير غير زائفة ونحو البشر جميعًا؛ فإن كانت الخطيئة تقترن بأعمال الشر، فإن التوبة دون شك ترتبط بفعل الخير؛ ولذا في “المسيحية” يوصي الله: “ٱِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. ٱِعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ ٱلشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ ٱلْخَيْرِ. ٱطْلُبُوا ٱلْحَقَّ. ٱنْصِفُوا ٱلْمَظْلُومَ. ٱقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ ٱلْأَرْمَلَةِ.” . وفي “الإسلام”: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ﴾. و… وفي “مِصر الحلوة” الحديث لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ