عرضت المقالة السابقة مميزات شبكات “5G”، وتأثيرها السلبيّ في حياة البشر، وما أدلى به “والتر بَبيُك” عن أخطارها. وقد احتجت جمعيات في بعض المدن الأوروبية وطالبت بإيقاف نشر هوائيات “5G”، وبعدم العمل بأجهزته، وبالأخص الأماكن المنتشرة بها مدارس الأطفال. وينبه متخصصون أن خطرًا يكمن في الحرارة المتولدة من تسليط موجات “5G”بكثافة وشدة عالية على الأجسام؛ فالجسم البشريّ يتأثر بالحرارة وبخاصة المتواصلة والعالية الشدة؛ ما يترتب عنه تأثر الأعضاء كالمخ والقلب؛ فلا تعمل على نحو طبيعيّ صحيح؛ وتظهر أعراض مرضية على الإنسان.
إلا أن هٰذه الأخطار ليست الوحيدة التي تهدد البشر؛ فإن أخطارًا أخرى تتعلق بامتلاك المعلومات من خلال شبكات “5G”؛ إذ منتجها يتمكن من معرفة كل شيء من تحركات البشر اليومية إلى حركات البارجات الحربية في أعالي البحار؛ وبذا يستحوز معرفةً تمكنه من التحكم في أمور كثيرة، أو كما وُصف: “السيطرة على المستقبل”؛ وهٰذا ما دفع “إستونيا” و”بولندا” أن تفرضا قيودًا قومية على مد شبكات “5G”حرصًا على أمنهما القوميّ، مفضِّلتين تنويع مزودي الخدمة وإشراك القطاع الخاص المحليّ من أجل التحكم في الشبكات والمعَدات؛ مثلما دفع حكومة “الولايات المتحدة الأمريكية” أن تمنع التعامل مع شركة “Huawei” الصينية لمد شبكات “5G”في المدن الأمريكية لحفظ أمنها القوميّ؛ كما اتخذت بريطانيا إجراءًا مماثلًا لما اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مد شبكات الجيل الخامس لحفظ أمنها القومي.
وفي أحدث التطورات، ذُكر أن “Elon Musk” ـ مؤسس شركة “Neuralink” عام 2016م بـ”سان فرانسيسكو” ـ قد أشار أن الشركة تعمل على تطوير زرع رُقاقات في دماغ الإنسان ” Brain Chips ” تتفاعل والمخ، متصلةً بوحدة معالجة حاسوب خارجية؛ بهدف وصل البشر بأجهزة الحواسيب الآلية لمساعدتهم على مواكبة الذكاء الاصطناعيّ المتقدم، ولتخفيف آثار الاضطرابات العصبية على المرضى المعانين اكتئابًا وإدمانًا. ويطرح السؤال نفسَه: أنحن بصدد آلات إلكترونية تُغرز داخل رؤوسنا؟!!
إن صراع امتلاك المعرفة الذي بدأ مع عبارة: “وتكونان كالله عارفين الخير والشر”، ما يزال يسري في العالم من أجل الاستقواء والامتلاك والتسلط، ولن يؤدي إلا إلى انهيار العالم وتدميره لا محالة! وأختِم سلسلة مقالاتي بكلمات نبيّ الله “يشوع بن نون” إلى الشعب قائلاً: “… فالآن اخشَوا الرب واعبدوه بكمال وأمانة، وانزِعوا الآلهة الذين عبدهم آباؤكم … وإن ساء في أعينكم أن تعبدوا الرب، فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون: إن كان الآلهة الذين عبدهم آباؤكم الذين في عَِبر النهر، وإن كان آلهة الأموريِّين الذين أنتم ساكنون في أرضهم. وأما أنا وبيتي فنعبد الرب».”، وأيضًا بكلمات مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: “كُن شجاعًا، وصاحبَ مبادئ قوية وقيم تتمسك بها، وقاوم التيار المحيط بك إذا أخطأ، وابعُد عن الخطإِ حتى إن رأيت كبارًا يقعون فيه، أو إن رأيت الشر يهددك. وإذا ما وجدتَ الذين يسيرون في طريق الحق قليلين، فلا يضعف قلبك بهٰذا السبب، بل اعرِف أن هٰذه هي القلة المختارة أو الصفوة. فإن وقعت أغلبية المحيطين بك في خطإٍ، فإن هٰذا لا يجعل الخطأ صوابًا! إن الخطأ هو الخطأ، ووقوع كثيرين فيه لا يبرره. والمعروف أن الصواب طريقه صعب، وربما لا يستطيعه كل الناس، بل تسير فيه القلة المتميزة بمبادئها وقيمها. إن وجدت الذين يعيشون في الفساد قد نمَوا وارتقَوا وارتفع شأنهم، فاحذر أن تقتدي بهم، وإن جذبوك إليهم فابتعد. وإن رأيت غيرك يستخدمون أسلوب التملق والرياء، ويستطيعون أن يصلوا به إلى ما يريدون، فلا تسايرهم أنت، ولا يقنعك أسلوبهم، ولا نجاحهم الذي وصلوا إليه بطريق خاطئ. وإن بدا أن الناس قد تغيروا عن ذي قبل، وقيل لك: إن هٰذه هي لغة العصر؛ فقُل: أما أنا فلغتي التي أتمسك بها هي لغة الضمير الصالح، وهي لغة الحق.” (أ. هـ.)
إن ثقتنا هي دائمًا وأبدًا بالله خالق الكون بكل ما فيه، وإيماننا الذي لا يتزعزع أنه مهما يخطط الشيطان ويَحيك النهاية، فإن يد الله ـ تبارك اسمه ـ تصنع من الحدث نفسه “بداية جديدة”. و … وفي “مِصر الحلوة” الحديث لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ