وصلني عدد من الرسائل يتساءل أصحابها عن الأوبئة التي انتشرت بالعالم منذ القدم، وما تركته من آثار. ومن العجيب أن هٰذه الأيام قد انتشرت أخبار عن إعلان حالة التأهب القصوى بمِنطَقة “منغوليا” الداخلية الصينية، بعد إبلاغ باشتباه في حالة “طاعون دُبْليّ”، المتسبب في جائحة “الموت الأسود” في العالم، وذلك بمدينة “بايانور” شَمال غرب “بكين”، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء “شينخوا” الصينية؛ لذٰلك آثرت التحدث عن تلك الأوبئة، وأود أن أطلق عليها: منحنيات التاريخ البشريّ؛ التي تركت بصماتها آثارًا لا تُمحى من ذاكرة التاريخ. وكما ذكر أن: “الوباء يهدد الروابط الاجتماعية، ويطلق العِنان لنوع خفيّ من حرب أهلية يكون فيها كل واحد حذرًا من جاره؛ فانتشار الأوبئة يمثل دومًا امتحانًا للمجتمعات.”. ولنبدأ الحديث بإيجاز عن أوبئة شهِدها العالم منذ فجر التاريخ، كانت لها آثار عميقة غيرت وجهه؛ ثم سنتحدث تباعًا عن ما تعرضت له “مِصر” في تاريخها.
“الطاعون الدُّبْليّ” (Bubonic Plague)
أحد أخطر الالتهابات البكتيرية في تاريخ البشرية.يُعرف بأسماء متنوعة: “الطاعون الدُّبْليّ”، “الطاعون الدُّبَيْليّ”، الطاعون الدُّمَّليّ”، “الطاعون العُقْديّ”، “الطاعون النَّزْفيّ”. ويُعد هٰذا الطاعون من أقدم الأوبئة التي عرفها التاريخ، وقد ذكرت الكاتبة “أريل كوزلوف” أن الطاعون انتشر بـ”مصر” 1650 ق. م. ثم كان ظهور “الطاعون الدُّبْليّ” في القرن السادس الميلاديّ، بالإمبراطورية الرومانية الشرقية (“الإمبراطورية البيزنطية”)، وأطلق عليه “طاعون چُستنيان”، حيث أصيب به الإمبراطور “چُستنيان الأول”، لٰكنه شُفي. وقد ذكر المؤرخ “بروكوبيوس”، في كتاباته عن الطاعون وتأثيره بالإمبراطورية، أنه وصل “القسطنطينية” التي صارت المصدّر الأكبر له؛ ثم انتشر بأنحاء الإمبراطورية، منتقلاً من مدينة إلى أخرى، ممتدًا في المناطق حول “البحر المتوسط”، ثم “آسيا الصغرى”، حتى وصل “اليونان” و”إيطاليا”، متسببًا في موت قرابة 25 مليون شخص!!
وفي القرن القرن السابع (639م)، انتشر الطاعون ثانيةً بـ”فلسطين”: حيثبدأ ظهوره في قرية “عمواس” قرب “بيت المقدس” فسُمي: “طاعون عمواس”، ثم انتشر ببلاد “الشام”، وكان ذٰلك في وقت خلافة “عمر بن الخطاب”؛ وقيل إنه استمر شهرًا، واصلاً بعدد ضحاياه إلى 25 ألف إنسان تقريبًا.
وعاد “الطاعون الدُّبْليّ” للظهور مرة أخرى بالقرن الرابع عشَر (1340-1400م)، بادئًا في “الصين” أو بمِنطَقة قريبة منها، ثم انتقل إلى “إيطاليا”، ومنها إلى “أوروبا” على نحو مريع موديًا بحياة ثلث سكانها، ليقضي على 100 مليون شخص بـ”أوروبا” و”آسيا”؛ فأطلق عليه: “الموت الأسود”!!! وشهِد القرن التاسع عشَر ظهوره مجددًا، بعدد من البلدان كـ”مِصر” 1801م و1834م، و”إيران” 1829م. إلا أنه اجتياحه كان 1855-1950م: فانتشر شرق آسيا بـ”الصين”، ومقاطعة “يونان” 1855م، لينتقل إلى “الهند” 1869م، ليجد طريقه إلى جزر “هاواي” بحلول 1899م. وعام 1900م، بدأ الوباء في الانتشار في “أستراليا” من خلال شحن البضائع.
لٰكن الطاعون لم يُقضَ عليه نهائيًّا؛ إذ اعتُبر أنه فعال حتى عام 1959م. وعام 1994م، انتشر الوباء مجددًا بولايات هندية. وقد أُعلن أن عام 2013م قد شهِد إصابات بالمرض وصلت إلى 750 حالة، تُوفي منها 126 شخصًا. وأيضًا في عام 2020م ظهر اشتباه في حالة “طاعون دُبْليّ” بمدينة “بايانور” بالصين. ووَفقًا لما أعلنته “منظمة الصحة العالمية”، فإن “الطاعون الدُّبْليّ” من الأمراض المعدية التي تؤدي إلى موت ثلثي مصابيه إذا لم يُسرَع بعلاجهم. وينتقل هٰذا الطاعون إلى البشر من خلال القوارض، والبراغيث التي تصاب بنوع من البكتريا تسمى “يرسينيا” (Yersinia Pestis)، ويتنقّل بين الحيوانات بواسطة البراغيث المعتمدة عليها.
ومن أعراض هٰذا الطاعون حمى حادة، مصحوبة بأعراض أخرى تظهر بعد يوم إلى سبعة أيام من الإصابة: نوبات قشعريرة، آلام بالرأس والجسم، ضعف، غثيان، تقيؤ، سعال. ..و … وفي “مِصر الحلوة” الحديث لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ