تحدثت مقالة “الموت الأسود” عن وباء “الطاعون الدُّبْليّ”. ثم كان الحديث عن وباء “الجُدري” في مقالة “الجُدري الصغير والكبير”. واليوم، نعرض لبعض أنواع أخرى من الأوبئة التي اجتاحت العالم.
وباء “كولِرا” (Cholera)
يطلَق عليه “كولِرا”، أو “الهَيْضَة”، أو “كولِرا الوبائيّ” أو “كولِرا الآسيويّ”. ويُعد “كولِرا” من الأمراض المِعوية المُعدية بسبب جرثومة تسمى “ضَمَّة الكولِرا” (بكتيريا ضَمّية أو واوية أو مقوسة الشكل comma-shaped كعُصَيّة معقوفة)، تنتقل إلى الإنسان بواسطة تناول طعام أو شراب ملوثين من مرضى “كولِرا” آخرين. يعاني المصابون بـ”كولِرا” إسهالاً حادًّا وقَيئًا وجفافًا وهُزالاً.
“كولِرا” وباء قاتل سريع؛ إذ يسبب انخفاض ضغط الدم في مدة قليلة ربما تصل إلى ساعة من بداية ظهور أعراضه!! وقد يقتُل مرضاه في غضون ساعات قليلة تصل إلى 18 ساعة، وقد يفتك بعد عدة أيام.
تفشى وباء “كولِرا” سبْع مرات: الأولى من أعوام 1816-1826م، في ولاية “البِنغال”، ثم انتشر في “الهند” وتسبب في موت أعداد لا تحصى، ثم انتقل إلى “الصين”، وإندونيسيا”، و”بحر قزوين”. أما وباء “كولِرا الثاني”، فقد ظهر من أعوام 1829-1851م، حيث وصل إلى “روسيا”، و”المجر”، و”ألمانيا”، و”إنجلترا”، و”فرنسا”، ومقاطعتي “كيبِك” و”أونتاريو” بـ”كندا”، وولايتي “نيويورك” و”كاليفورنيا” بـ”الولايات المتحدة الأمريكية”، وساحل المحيط الهادئ، و”مِصر”، و”السعودية”. ثم كان وباء “كولِرا الثالث” من أعوام 1852-1860م، مميتًا ما يزيد على مليون إنسان في “روسيا”! وقد انتشر ناحية الشرق حيث “إندونيسيا” و”الصين” و”اليابان”، ثم سرعان ما انتشر في “الفلبين”، و”كوريا الجنوبية”، و”الهند”، و”إيران”، و”العراق”، و”السعودية”، و”شيكاغو”، و”لندن”. ثم شهِدت الأعوام 1863-1875م انتشار موجة رابعة منه في “أوروبا” و”أفريقيا”، ثم “أمريكا الشَّمالية”. ثم كان اجتياح الوباء الخامس، أعوام 1881-1896م، موديًا بحياة ما يتجاوز مليون نسمة في “أوروبا”، والأمريكتين، و”روسيا”، و”إسبانيا”، و”اليابان”، و”بلاد فارس” و”مِصر”. ومن أعوام 1899-1923م، أهلك الوباء السادس نصف مليون روسيّ، و800 ألف هنديّ. ثم غزا الوباء السابع، أعوام 1961-1970م، في “إندونيسيا”، و”بنجلادش”، و”الهند”، ودُول “الاتحاد السوڤيتي” وشَمال أفريقيا. وظل تفشي المرض حتى عام 2009م، ثم في “اليمن” عام 2017م.
وباء “ملاريا” (Malaria)
اعتقد القدماء أن الهواء الفاسد الناتج عن المستنقعات ينقُل مرض “ملاريا”؛ ولذٰلك أُطلق عليه اسم “حمى المستنقعات” (Swamp Fever). ويُعد وباء “ملاريا” من الأمراض المُعدية الفتاكة، يسببه كائن طفيليّ من فصيلة “الطفيليات المتصوِّرة” ينتقل عن طريق لدغات أُنثَيات بعوض “الأنوفيلة” الحاملة له، التي تلدغ ما بين الغسق والفجر، ثم يبدأ في التكاثر داخل جسم الإنسان في الكبد، ثم يسري متسللاً إلى الدم حيث يهاجم كُرَّيات الدم الحمراء ويدمرها. يعاني مصابو “ملاريا” أعراض الحمى والصداع والتقيؤ، فيما بين 10-15 يومًا بعد الإصابة، في الوقت الذي يسبب “أنيميا” مع تضخم بالطحال. وبعض أنواع الطفيليات المسببة لـ”ملاريا” تصيب بفشل كُلَويّ، وبتشنجات، وبغيبوبة تنتهي بفقدان الإنسان حياته.
وفي عام 1880م، اكتشف الطبيب الفرنسيّ ” ألفونس لافيران” الطفيل المسبب لمرض “ملاريا”؛ وقد حاز عن ذٰلك الاكتشاف “جائرة نوبل في الطب والفزيولوچيا” عام 1907م. وظهر وباء “ملاريا” في أمريكا الجنوبية في أوائل القرن السابع عشَر، وفي “هولندا” عام 1829م، وتعرضت له “مِصر” الأعوام 1942-1944م، و”الهند” في عام 2006م.
وإن كانت الأوبئة التي ذكرنا بعضها في المقالات قد حصدت أرواح ملايين البشر في العالم، فإن خطرًا جديدًا بدأ عدد من الأطباء بالإشارة إليه، من خلال ما قدموه من شَهادات في جلسات “منظمة الصحة العالمية”، أو بالمؤتمرات، أو بالمقالات العلمية، أو بالبرامج المتخصصة، عن …وفي “مِصر الحلوة” الحديث لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ