تعبُر الدقائق والساعات والأيام والسنون في حياة البشر، فنجد من تمضي به حياته بلا معنى، ومن يجعلها تاريخًا لا يُنسى، محفورًا بقلوب البشر وذاكراتهم؛ من منحوا الحياة أسمى معانيها، وعاشوا الإنسانية الحقة التي تبذُِل من أجل رفعة من الأوطان والحياة؛ فهكذا تكون حياة العظماء، ومنهم فقيد “مِصر”: “مُحمد فريد خميس”، رجل اختار أن يحيا في خدمة وطنه؛ إذ أحب كل ذرة من ترابه فأمسى رمزًا وطنيًّا كبيرًا وأحد القامات الاقتصادية.
وُلد “مُحمد فريد خميس” 14/4/1940م، بمدينة “بيلا” بمحافظة “كفر الشيخ”. حصل على بكالوريوس التجارة بجامعة عين شمس 1961م، وعمِل بـ”البنك الأهلي المِصريّ”، وحصل على ماﭼستير التكاليف الصناعية، ودراسات في صناعة النسيج. ونال ٢٠٠٨م درجة الدكتوراة بجامعة لافبرا البريطانية. تزوج وأنجب ياسمين وفريدة ومُحمد، ولديه ثلاثة أحفاد: عمر، وملك، وأسامة.
أدرك “مُحمد فريد خميس” أن الصناعة طريق رقيّ المجتمعات؛ فعمِل جاهدًا حتى بات أحد أبرز رجال الصناعة المِصرية. أسس مجموعة “الشرقيون” وهي مجموعة متكاملة من الشركات التي تعمل في مجال المنسوجات والبتروكيماويات، ومن أبرزها على المستويين المحليّ والدُّولي: “النساجون الشرقيون للسَّجاد”، ماك، “النساجون الشرقيون إنترناشيونال”، “الشرقيون للتنمية العمرانية”، “الشرقيون للتنمية السياحية”، “الشرقيون للتنمية الزراعية”، “الشرقيون للمشروعات الصناعية”، “إفكو (منتجات ألياف)، “المِصرية للـﭘروﭘِلين والـﭘولي ﭘروﭘِلين”، “العاشر من رمضان للتنمية والخِدمات التعليمية” وتعمل في مجالات: تصنيع السجاد، الألياف، الغزل، الـﭘتروكيماويات، السياحة، العقارات، المفروشات، الصناعات الزراعية، التجارة الدولية، الأنشطة التعليمية؛ ودائمًا ذات ريادة بالمجتمعين المِصريّ والعالميّ، ودائما ما تحصل “النساجون الشرقيون” على جائزة الإنتاج الأفضل في العالم مثلما حدث في “هانوڤر” بألمانيا، و”أطلانطا” بأمريكا.
ولم يكُن إيمان “مُحمد فريد خميس” بالعمل والإنتاج والتصنيع فقط، بل أن الإنسان هو صانع الحضارة، ومؤسس ما تشهده الأمم من نهضات، والمجتمعات من رقيّ وتحضر، وأن السبيل نحو التقدم الحقيقيّ يكمن في العلم المتخصص الذي هو نتاج الأبحاث العلمية المتقدمة؛ ومن ثم جاء اهتمامه بالعلم فبرز دَوره في تأسيس “الجامعة البريطانية في مِصر” ورأَس مجلس أمنائها، وأسس “أكاديمية الشروق”.وأسهم سنين طويلة في إثراء الاقتصاد القوميّ، حتى إن كثيرين وصفوه أنه “طلعت حرب مِصر”.
وقدم إسهامات متميزة وأدوارًا عظيمة الآثار بالمجتمع، فاهتم بالصعيد وأقام مشروعات تنموية وأعمالاً خيرية عديدة؛ وبجانب هذا دعم دُور العبادة الإسلامية والمَسيحية بـ”مِصر” وخارجها، وأسهم في الترويج لمسار “العائلة المقدسة” بإنتاج مجموعة منسوجات متميزة تجسد الزيارة المباركة لـ”مِصر”. ولن يُنسى ما فعله حينما احترقت الكنيسة الأثرية بـ”دير القديسة دميانة للراهبات ببلقاس”: أرسل لجنة هندسية من أساتذة كلية الهندسة بالجامعة، ورمم الكنيسة فعادت كما كانت، بل طبع سيرة”القديسة دميانة” وترجمها بعدة لغات أجنبية. إنه الرجل الوطنيّ المحب والخادم للكل بإنكار تام لذاته!
وأنشأ أيضًا “مجمع فؤاد خميس للمعاهد الأزهرية”، على مساحة 20000 متر؛ للتعليم الأساسيّ للبنين والبنات بـ”العاشر من رمضان”.
تقلد”مُحمد فريد خميس” مناصب مهمة عديدة مؤثرة: رئيس “اللجنة المِصرية لغرفة التجارة الدولية”، رئيس مجلس إدارة “الإتحاد المِصريّ لجمعيات ومؤسسات المستثمرين”، رئيس “لجنة الصناعة والطاقة والنقل بمجلس الشورى” سابقًا، رئيس “إتحاد الصناعات المِصرية” سابقًا، رئيس”المجلس العربيّ للاقتصاد الأخضر”، عضو “المجلس الأعلى للاستثمار” برئاسة رئيس الجُمهورية.
وإضافة إلى ما سبق، فهو المؤسس والرئيس لبعض المنظمات غير الحكومية، مثل: “مؤسسة مُحمد فريد خميس لتنمية المجتمع”، قبل سبعة عشر عامًا، وتهتم بالتفوق العلميّ وبخاصة أوائل الثانوية العامة، و”مؤسسة خميس للتنمية”، وتهتم بمشروعات لخدمة مدينة” العاشر من رمضان”، ناقلةً يوميًّا 6500 طالب تقريبًا من سكانها إلى جامعاتهم مجانًا، وأنشأ “مستشفى خميس الخيريّ” ليخدُِم أهاليها. وقد كُرم دوليًّا: ففي 2008م قلده وليّ عهد بلـﭽيكا (آنذاك، ملكها الحاليّ) أرفع وسام بلـﭽيكيّ.
واهتم بمِصر وكان يفكر فيها ويسعى لاستقرارها، واضعًا كل خبراته لازدهارها. وفي 19/9/2020م، رحل عن عالمنا بـ”الولايات المتحدة الأمريكية”، بعد صراع مع المرض. نطلب الرحمة للفقيد، والعزاء والصبر لأسرته ومحبيه، بقدر ما تركه من بصمات جلية في الصناعة والعلم والتنمية.و … وفي “مِصر الحلوة” الحديث لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ