وُلِدَ الرِّفْقُ يَوْمَ مَوْلِـــــــــدِ عِيسَى وَالْمُرُوءَاتُ وَالْهُدَى وَالْحَيَــــاءُ
وَازْدَهَى الْكَوْنُ بِالْوَلِيدِ وَضَاءَتْ بِسَنَاهُ مِنَ الثَّرَى الَارْجَــــــــــاءُ
وَسَرَتْ آيَةُ الْمَسِيحِ كَمَا يَسْـرِي مِنَ الْفَجْرِ فِي الْوُجُودِ الضِّيَاءُ
تَمْلَأُ الْأرْضَ وَالْعَوَالِمَ نُـــــــــــــورًا فَالثَّرَى مَائِجٌ بِهَا وَضَّـــــــــــــــاءُ
أبيات نظَمها أمير الشعراء “أحمد شوقي” عن ميلاد “السيد المسيح”. ويبدأ مَسِيحِيُّو الشرق الاحتفال بذكرى “الميلاد” مساء اليوم، ومع “ذكرى الميلاد” تتجلى معاني قدمها “السيد المسيح” وعلّم بها، منذ ميلاده وطوال حياته على الأرض.
وُلد “السيد المسيح” في عالم امتلأ بالعنف والدماء، وسط شعب يعاني قسوة الاحتلال الرومانيّ، في ظل تباين فكريّ لم يقدم شيئًا سوى مزيد من تشتت البشر الآنِّين تحت ثقل هموم الحياة وصراعاتها؛ فكان بهجة وضياءً لكل البسطاء والمساكين والضعفاء، والمتعلمين والحكماء والأغنياء. في قصة “الميلاد”، نجد السماء تعلنه لفئات متنوعة: لرعاة، لمجوس، بل لم تُهمل كتبة وفريسيين سيضطهدون ويقاومون، وملكًا سيسعى لقتل المولود!!
جاء إعلان السماء للرعاة الساهرين على رعيتهم إعلان فرح، فيذكر “الكتاب”: “وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلَاكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلَاكُ: «لَا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ ﭑلرَّبُّ. وَهٰذِهِ لَكُمُ الْعَلَامَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلَاكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الَاعَالِي، وَعَلَى الَارْضِ السَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».”؛ والرعاة يمثلون البسطاء في حياتهم والأمناء في عملهم، وفي الوقت نفسه لديهم عمق الإيمان فاستحقوا أن يبشروا بـ”الميلاد”.
أيضًا أعلنت السماء ميلاد “السيد المسيح” لحكماء المشرق “المجوس”؛ إذ ظهر لهم نَجم عجيب، و”المجوس” يمثلون النفوس الساعية لمعرفة الله بصدق وأمانة، حتى تتبعه إلى أقصى المسكونة لتقدم له السجود والإكرام!! كان النَّجم علامة لهم؛ وفرِحوا فرحًا عظيمًا جدًّا حين رأَوه، وقادهم إلى وليد المذود.
وقُدمت رسالة “الميلاد” أيضًا إلى أولئك الرافضين السالكين بحسب شهوات قلوبهم: رؤساء الكهنة، والكتبة، و”هِيردُوس” الملك؛ لعلهم ينتبهون لظلامهم ويقدمون توبة، لٰكنهم لم يفعلوا؛ ويذكر “الكتاب”: “وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ، قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ».فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ.فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لِأَنَّهُ هٰكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لِأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».”؛وصلت الرسالة مسامع رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، بواسطة المجوس حين جاؤوا إلى “أورُشليم” ليرَوا الملك المولود. يمثل رؤساء الكهنة والكتبة تلك الأنفس التي تعتقد أنها أبر من الآخرين وأفضلهم، يعتقدون أنهم يملكون العلم والمعرفة دون غيرهم، إلا أنهم لم يُعِيروا رسالة “الميلاد” التفاتًا!! بل استكملوا مسيرتهم في ظلام ذواتهم فأعمت أعينهم عن معرفة الحق. أما “هِيرودُس”، فهو رافض “الميلاد”، المتمادي في شروره، المغتال البراءة بقتل أطفال “بيت لحم”، آملاً التخلص من “المَلك وليد المذود”؛ وظل رافضًا النور سالكًا في الظلمة.
والليلة، في ذكرى “الميلاد” المجيد، نرجو وليد المذود: أن يهب لنا الفرح، والضياء فهو القائل: “أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ”. أهنئكم جميعًا بـ”عيد الميلاد”، متمنيًا للمِصريِّين جميعًا ولبلادنا الحبيبة كل خير وسلام وبركات، وأن يرفع الله عن العالم الوباء. كل عام وجميعكم بخير. و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ