كل عام وجميعكم بخير؛ فبعد أيام قليلة يحتفل المِصريون جميعًا بذكرى “تحرير سيناء”. نطلب إلى الله أن يمنح “مِصر” كل خير وسلام ويحفظها من كل شر.
رغِب “البابا كيرلس السادس”، قبل اختياره بطريركًا، أن يعيش في حجرة تحت “كنيسة مار مينا الأثرية بمريوط”؛ فأرسل إلى مصلحة الآثار التصريح له بالسكن هناك. ولم تصل الموافقة على هٰذا الأمر إلا بعد اختياره بطريركًا. فبدأ في تعمير المنطقة بأسرها: حيث اشترى مئة فدان على دفعتين من “هيئة تعمير الصحراء”، ليضع حجر أساس الدير في أول عيد “للشهيد مار مينا العجائبي” بعد سيامته بطريركًا؛ لتعود الحياة إلى تلك المِنطَقة.
كذٰلك جدد “البابا كِيرِلُّس السادس” “الكاتدرائية المَرقسية الكبرى بالأزبكية”، وأعاد بناء الكنيسة الصغرى الملحقة بها (كنيسة الشهيد إسطفانوس) حيث وُضعت لها أساسات جديدة، وبُنيت بالخرسانة المسلحة، مع زيادة مساحتها. أيضًا شيد قداسته “الكاتدرائية المَرقسية الكبرى بالعباسية”، ووضع حجر أساسها يوم ١٩٦٥/٦/٢٤م، ثم افتتحها ١٩٦٨/٦/٢٥م، بحضور الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” والإمبراطور “هَيلاسِلاسي الأول” عاهل إثيوبيا. كذٰلك بنى قداسته “الكلية الاكليريكية”، ومنزل الطلبة الملحق بها، ومبنى المطبعة.
وقداسته أيضًا “بابا كارز”؛ فقد نشر الكرازة في خارج القطر المِصريّ: فبُنيت أولى الكنائس بأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وعدد من البلاد العربية؛ إلى جانب إيفاد قداسته عددًا من الآباء الكهنة إلى دُول أوروبا لإقامة الصلوات والخِدمات الطقسية بمختلف المدن. وقداسته هو أول بابا اهتم برسامة أساقفة عُموميين.
أما عن وطنية “القديس البابا كِيرِلُّس السادس”، فقد أصدر قداسته وفضيلة الإمام الأكبر آنذاك “الشيخ حسن مأمون” شيخ الأزهر بيانًا مشتركًا تاريخيَّا، يؤكدان فيه تضامن المِصريِّين جميعًا في القضايا التي يخوضها الوطن، مؤكدَين وَحدة الهدف والموقف تجاه جميع ما يخص “مِصر” و”الشرق الأوسط”، وأهمه موقف المِصريِّين من قضية “القدس”؛ وقد تقدَّما مسيرةً شعبيةً تعبيرًا عن رفضهما لما حدث من اعتداءات “إسرائيل” على “فِلَسطين” و”بيت المقدس” بمقدساته الإسلامية والمَسيحية. كذٰلك أدلى قداسته بعدد من الأحاديث الصحفية، وأجرى بعض الحوارات للتلفزيون الفرنسيّ من أجل “القدس” وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ثم أصدر قرارًا بمنع الأقباط من زيارة “القدس” احتجاجًا على ما يحدث من عُدوان. وعام ١٩٦٧م، شارك “البابا كيرِلُّس السادس” في الندوات والمؤتمرات الشعبية التي أقيمت من أجل لمّ شمل المِصريِّين معًا، ولتدعيم موقف الرئيس “جمال عبد الناصر” – ويعرف جميعنا موقف قداسته إزاء إعلان الرئيس “جمال عبد الناصر” تنحيه عن الرئاسة عام ١٩٦٧م. وفي تلك المرحلة الحرجة، أصدر قداسته أمرًا بأن يقيم الشعب صلوات القداس في جميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية؛ من أجل “مِصر” حتى يعطيها الرب الحماية والصمود، حتى إن “إذاعة إسرائيل” الموجَّهة باللغة العربية تهكمت على ذٰلك قائلة: “أبشِر يا «عبد الناصر»! فإن معك «كِيرِلُّس السادس»، أما نحن فمعنا الإسطول السادس.”. إلا أن تلك الروح الوطنية سرت في المِصريِّين جميعًا، إذ بدأت إعادة بناء القوات المسلحة، ثم دارت رحى “حرب الاستنزاف” التي أنهكت العدُّو بخَسارات متتالية فادحة.
لقد عاش “القديس البابا كِيرِلُّس السادس” حياة الرهبنة الزاهدة في أثناء رعايته لشعبه: فقد ظل ناسكًا في مأكله وملبسه، يقدم ما يصله من هدايا لأبنائه ورعيته؛ وظل هٰكذا حتى نياحته في التاسع من مارس ١٩٧١م، بقلايته بالبطريركية بالأزبكية، مودعًا شعبه بكلماته: “الرب معكم. الرب يدبر أموركم.”، بعد أن قضّى على الكرسيّ المَرقسيّ ١١ سنة و٩ أشهر و٢٩ يومًا. وقد دُفن “القديس البابا كيرلس السادس” في “دير الشهيد مار مينا العجائبيّ” بصحراء مريوط، بحسب وصيته. و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ