احتفل مَسيحيُّو الشرق بـ«عيد القيامة» الأحد الماضى، وفى هذه المناسبة أود أن أهنئكم جميعًا بالعيد، راجيًا كل الخير والسلام والبركة لبلادنا «مِصر»، وللعالم بأسره، متضرعًا أن يرفع الرب الوباء والألم عن العالم.
وإذا كان الإنسان يترك العالم بالموت، فإنه بـ«القيامة»، التى أقرتها الأديان وكثير من العبادات، ينتقل إلى الحياة الأبدية التى لا تنتهى. وقد علّم السيد المسيح عن «القيامة»، ومن ذلك حين جاء إليه بعض من الصَّدوقيون الذين لا يؤمنون بقيامة الأموات، فأجابهم: «… أما من جهة قيامة الأموات، أفما قرأتم ما قيل لكم من قِبل الله: أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب؟ ليس الله إله أموات بل إله أحياء». فلما سمِع الجموع بُهتوا من تعليمه». كذلك فى معجزاته، فنجده يقيم الأموات، حتى إن «لعازر» أقيم من الموت بعد أربعة أيام من موته! ومن أجل رجاء القيامة، كانت تعاليمه تنادى بالتوبة: «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات»، وبالحياة الأبدية: «اُطلبوا أولاً ملكوت الله وبِره»، وأيضًا: «لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربِح العالم كله وخسَِر نفسه؟ أو ماذا يُعطى الإنسان فداءً عن نفسه؟»، لذا فـ«القيامة» حقيقة واضحة ثابتة، مهما حاول بعض البشر على مر العصور إنكارها أو تناسيها.
وفى «القيامة» سوف يجد البشر الحرية الحقيقية التى كثيرًا ما سعَوا إليها وهم على الأرض، محاولين أن يتحرروا من مخاوفها وقلاقلها وآلامها. فالإنسان فى رحلة الحياة، فى حال مستمر من القلق والاضطراب: قلق من حاضر يعيشه، قلق مما سوف يحمله المستقبل له ولأحبائه، وربما قلق من ماضيه. وهكذا تُمسى رحلة الحياة لكثيرين سلسلة لا تنتهى من القلاقل والاضطرابات، ويندفع بعض الناس إلى دائرة البحث عن الأمان، الذى غالبًا ما يُنسِيهم – فى خضم الاضطرابات التى يعانوها – الاهتمام بأبديتهم!! ليأتى الاحتفال بـ«عيد القيامة» كل عام، مذكرًا الجميع بأن الحياة الحقيقية لم تبدأ بعد، وأن عليهم الاستعداد لها.
إن حقيقة الحياة أنها عابرة بنا لا محالة، كقول الكتاب: «أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد! لأنه، ما هى حياتكم؟ إنها بخار، يظهر قليلا ثم يضمحل»، لذلك، علينا أن نترك كل قلق وتوتر، واثقين بعناية الله التى يقدمها لخليقته، مقدمين الخير لكل إنسان، متذكرين أن رسالتنا فى الحياة هى الخير والسلام، وأن الله سوف يجازى كل إنسان بحسب ما قدمه فى حياته خيرًا أو شرًا.
وفى القيامة، يتذكر الإنسان أيضًا أن ما يمر به من آلام وضيقات وأتعاب هو أمور مؤقتة تنتهى حتمًا، موقنًا أنه سوف يعوَّض فى الأبدية عن جميع ما احتمله، فالله عادل. وأتذكر المثل الذى قدمه السيد المسيح عن «لعازر والإنسان الغنى»: فالثرى كان يتنعم فى ملبسه ومأكله ومسكنه، فى حين «لعازر» مسكين مريض وليس لديه ما يشبع جوعه، ومع هذا لم يجد رحمة فى عينى ذلك المتنعم. وبعد موت الاثنين، حملت الملائكة «لعازر» إلى «الفردوس» مع «إبراهيم» خليل الله، من أجل احتماله وصبره على الضيقات، فى الوقت الذى اقتيد الغنى إلى «الهاوية» معذَّبًا.
وحين رأى الغنى «إبراهيم» من بعيد ومعه «لعازر»، ناداه: «يا أبى إبراهيم، ارحمنى، وأرسِل لعازر ليبُلّ طرف إصبعه بماء ويبرُِد لسانى، لأنى معذَّب فى هذا اللهيب. فقال إبراهيم: يا ابنى، اُذكر أنك استوفيت خيراتك فى حياتك، وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذب. وفوق هذا كله، بيننا وبينكم هُوَّة عظيمة قد أُثبتت، حتى إن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون، ولا الذين من هناك يجتازون إلينا». وهكذا مع «القيامة» نتذكر أنه بالصبر والشكر وتقديم الخير سوف نقتنى حياتنا.
كل عام وجميعكم بخير و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى