تحدثنا عن “البابا شنوده الثاني”، الخامس والستين في بطاركة الإسكندرية، المتنيح عام ١٠٤٧م؛ وقد اختير من بعده “البابا خرستوذولوس”.
“البابا خرستوذولوس” (١٠٤٧-١٠٧٧م)
السادس والستون في بطاركة الكرسي المرقسي. أصله من بلدة “بورة”. صار راهبًا بـ”دير البَرَموس” باسم “الراهب خرستوذولوس”، ثم رغِب حياة الوَحدة والتعبد لله؛ فانتقل إلى صومعة (غرفة صغيرة) ليتوحد على شاطئ البحر المالح (بحيرة البرلس)، وقد لُقب بـ”الحبيس”. وكان بعد نياحة “البابا شنوده الثاني”، أن اجتمع أهل “الإسكندرية” وكهنتها وأراخنتها للتشاور في أمر من يخلف البابا المتنيح. وتعددت الأسماء، إلى أن اختير “الراهب خرستوذولوس” للبطريركية على غير رغبته؛ إذ كان زاهدًا في المناصب والممتلكات العالمية. وكان له أخ في الرهبنة يسمى “يعقوب”، وكان قديسًا، فعلِم بالروح أن “الراهب خرستوذولوس” سيصير بطريركًا؛ فبكى كثيرًا من أجل هٰذه المسؤولية الموضوعة على عاتقه، وأعلمه بذٰلك.
وعند اختياره توجه وفد من كنائس “الإسكندرية” إلى “الراهب خرستوذولوس”، وهو بقلايته، وطلبوا منه أن ينزل معهم إلى “الإسكندرية”، فلم يقبل وامتنع، فأمسكوه واصطحبوه معهم إلى “الإسكندرية” لرسامته بطريركًا على “كرسيّ مار مَرقس الرسول”، في ١٠٤٧/١٢/١١م، أيام حكم الخليفة “المستنصر”؛ وقد ذكر كاتب سيرته أنه لم يكُن يملك آنذاك من المال سوى درهمين وثلاثة أرباع الدرهم.
وكان بعد رسامته، أن ترك مدينة “الإسكندرية”، وجاء إلى “مِصر”، وجعل مقره في “كنيسة السيدة العذراء بمصر القديمة” (“المُعَلَّقة”). ومن أعماله تجديده “كنيسة القديس الشهيد مِرقُوريوس” حتى صارت كاتدرائية عظيمة ومركزًا لكرسيّه. ويُرجِع المؤرخون سبب انتقال المقر البابويّ إلى “القاهرة”: إلى تراجع أهمية “الإسكندرية” أمام ازدياد أهمية “القاهرة” مع تزايد عدد المَسيحيين فيها، وإلى عَلاقة منصبه البابويّ بالحكومة. وقد عين “البابا خرستوذولوس” أسقفًا “للإسكندرية” لُقب بوكيل الكرازة المَرقسية.
سارت رئاسة “البابا خرستوذولوس” هادئة في سلام: فتمكن من تشييد كنائس بـ”الإسكندرية” والأقاليم، وَسامَ كثيرًا من الأساقفة والكهنة والشمامسة، وذكر لهم أن ليس للشمامسة حق في أموال الكنيسة إلا في حدود ما يُسمح به. أيضًا اهتم البابا بإصلاح الكنائس التي خربت، وتفقد أحوال جميع الكنائس في القطر المِصريّ. كذٰلك اهتم بإتمام طقوس الكنيسة التي نالها الإهمال في عهد سلفه؛ فوضع قوانين طقسية بعد قرابة عامين من رسامته: تتعلق بطقس المعمودية، وبسلوك المؤمنين وخشوعهم وقت دخولهم الكنيسة، وجلوسهم فيها، وخلال الصلوات، منها: “وأن يكون وقوفهم في البيَع، في أيام الآحاد والأعياد، بخوف ورعدة بين يدي الله جل اسمه، بالابتهال والتضرع والسؤال في مغفرة الخطايا، والنجاة من مصايد العدُّعو. ولا يتكلم أحد ولا يتحدث في أوقات الصلاة والقداس إلا في أمرين: وهما أمر الدين والقراءة، والعلم والتفاسير، مما يكون فيه خلاص النُّفوس، ولينصتوا لسماع وصايا الرب إلى أن يقف القداس.”. كذٰلك وضع قوانين تتعلق بصوم “الأربعين المقدسة”، و”أسبوع الآلام”، وطقس “الخماسين”، و”صوم الرسل”، و”صوم الأربعاء والجمعة”، و”صوم الميلاد”، و”عيد الغطاس”، وأيضًا العَلاقات بين الآباء الكهنة والشمامسة. حارب “البابا خرستوذولوس” السِّيمُونية التي كانت قد انتشرت على نحو واسع في عهد سابقه. وهٰكذا ساد السلام حتى بدأت المتاعب الداخلية والخارجية تواجه الأب البطريرك.
متاعب داخلية
حدث في يوم كان يصلي البابا مع بعض من السريان، أن عرَف أنهم يضعون المِلح والزيت في القربان المقدس، مخالفين الطقس الكنسيّ، فتقدم أحدهم، ويُعرف باسم “الشيخ أبو البشر”، كان طبيب الملك وقريبًا منه، يشكو البابا إلى الوزير، وإلى بطريرك “أنطاكيا”. أما البابا البطريرك، فلم يهتم إلا بتطبيق الطقس الصحيح الذي تسلمه من آباء الكنيسة. وأيضًا … والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ