تحدثت المقالة السابقة عن أمور عجيبة وكوارث ألمَّت بأيام “البابا خرستوذولوس”، وبعض مما حدث في “الشدة المستنصرية” التي مرت بالبلاد.
ويحدثنا كاتب سيرة “البابا خرستوذولوس” أنه في أيام البابا أشتهر أمر “شجرة زيتون” عجيبة كانت عند كنيسة للسيدة العذراء بـ”الأندلس” (“إسبانيا” و”البرتغال” حاليًّا)، تُوْرق وتُثمر في غير أوانها، في ليلة عيد هٰذه الكنيسة سنويًّا! ويخبرنا أنه التقى ذات يوم أحدَ كبار “الأندلس”، وسأله عن الأمر، فأجابه: “أنا كشفت حال هٰذه الشجرة «الزيتون»، لأنني كنت أكذِّب من يحكي عنها. فسرتُ إلى موضع هٰذه الشجرة – وهي عند كنيسة تُعرف بـ«مريم» (على اسم «السيدة العذراء مريم»)، بينها وبين «ألمِرِيّة» المدينة (عاصمة وميناء لإقليم «ألمِرِيّة» في الجنوب الشرقي لـ«إسبانيا») ثلاثة أيام – وهو موضع يسمى «اُنظر واعجَب». فنصبتُ خيمتي تحت الشجرة، وهي على باب الكنيسة، وليس عليها يومئذ (أية) ورقةُ خَضِرٍ (غُصنٍ)، وكان معي أربعون فارسًا من أصحابي، وكانت ليلة عيد تلك الكنيسة، وقد حج إليها الناس من كل موضع. فبتنا هناك إلى بُكَرة (باكر). فلما طلعت الشمس يوم العيد، اخضرَّت الشجرة!! والناس كلهم ينظرونها. وتفتحت أغصانها!! وأينع ورقها!! ثم تكاثر الورق، وظهر الثمر، وتكوَّن الزيتون وتزايد وتكاثر إلى نصف النهار!! فصار فيها من الزيتون ما لا يُحصى!!! فعند ذٰلك خرج قيِّم (المتولي أمر) البِيعة (الكنيسة)، وأخذ من الزيتون ما عصره وأوقد منه (من العصير أو الزيت) قناديل البِيعة. وصلَّوا وكمّلوا قداسهم وتقرَّبوا، ثم انصرفوا عائدين إلى مواطنهم. وعرَفتُ أن القيِّم وخُدام البِيعة، بعد (أن) انقضى العيد، يجمعون ذٰلك الزيتون، فيكفيهم لوقيد (الزيت المستعمل في إيقاد) القناديل وسُرُج (مصابيح) البِيعة، وما يحتاجونه للأكل طول السنة. وأخذت أنا، من ذٰلك الزيتون، وجماعةٌ من الحاضرين على سبيل التبرك، وعدتُ إلى «ألمِرِيّة».”.
وفي كتاب “نصوص عن الأندلس”، نشره “معهد الدراسات الإسلامية”، في “مدريد”، سنة ١٩٦٥م، نطالع نصًّا عن “أحمد بن الدَِّلَائيّ بن عُمر بن أَنَس”، جاء فيه: “ومن الغرائب زيتونة في كنيسة … إذ كان أوان صلاة العصر من اليوم الذي يستقبل أول ليلة من شهر مايو. نوّرت الزيتونة، فلا يأتي الليل إلا وقد عَقَدت (أثمر زهرها)، فتُصبح (تدخل الصباح) من تلك الليلة، والزيتونة كلها قد اسودّ ثمرها من الزيتون، وطاب. وقد عرَف الناس ذٰلك ووقفوا عليها (عاينوها)، وأرسل الأمراء قديمًا إليها. وقد قطعها أهل تلك الناحية لكثرة الوارد عليهم بسببها، فبقيَت مقطوعةً زمانًا، ثم لُقح الأصل بعد ذٰلك. وهي باقية إلى اليوم على حالها الموصوف.”.
وفي كتاب “المُعْرِب عن بعض عجايب المَغرب”: “وبقرب «غَرناطة» جبل عليه الثلج … وبالقرب من هٰذا الجبل آثار كنيسة عندها عين من الماء وشجرة زيتون. ويخرج الناس ويقصدون تلك الشجرة «الزيتونة»، في زمان الربيع في يوم معروف. فإذا طلعت الشمس من ذٰلك اليوم، فاضت تلك العين بماء كثير؛ فظهر على «الزيتونة» زهر الزيتون؛ ثم ينعقد (الزهرُ) زيتونًا (أي تتضامّ أجزاؤه فتصير ثمر زيتون)، ويكبُر (الثمر)، ويسوَدّ من يومه؛ ويأخذ (الزيتون) مَن قدَر على أخذه، ويحملون من تلك العين للتداوي.”.
وفي أيام”البابا خرستوذولوس” حاول أحد القساوسة الرهبان، ويُدعى “أبا يعقوب الراهب”، نَيل البطريركية، إذ كانت له مكانة كبيرة لدى “ناصر الدولة بن حَمْدان”. فذهب “أبو يعقوب” إلى “الإسكندرية”، منتظرًا “ابن حَمْدان” ليحقق له ما وعده به، لٰكن المرض أدركه، ومات ودُفن في كنيسة باسم “مار مينا” هناك. وحين علِم “ابن حَمْدان”، وقد عظُم مركزه بموت “أبي يعقوب”، قال: “واللهِ! لو بقِي إلى أن أصل، لبلَّغته مراده، وجعلته بطركًا.”.
عاصر “البابا خرستوذولوس” وصول “الأفضل” أمير الجيوش إلى “مِصر”، ومحاربته الفاسدين وقبائل اللَّواتيِّين التي نشرت السلب والنهب بالبلاد، وعودته بالبلاد لاستقرارها وحال أفضل. و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ