No Result
View All Result
تحدثت المقالة السابقة عن لقاء “البابا كِيرِلُّس الثاني” والخليفة “المستنصر” وأمه وأخته، ومباركته قصرهم وملكهم، ثم لقاء البابا البطريرك وأمير الجيوش. وذكرَت أن “سُلُمون” ملك “النوبة” ترك المُلك، وعزل نفسه عن حكم بلاده للعبادة والتنسك، ثم انتقل إلى “القاهرة” حيث عاش قرابة العام، قبل نياحته ودفنه في “دير الخندق”. أما عن المدة التي قضّاها ذٰلك الملك بـ”مِصر”، فيذكر “القَس مَنَسَّى يوحنا”: “وتبادل البطريرك معه (مع “سلمون”) الزيارات، واحتفى به وجهاء الطائفة، وكان وجوده بينهم هٰذه المدة سببًا في رفع شأنهم عند أكابر الدولة وعظمائها، لا سيما عند أمير الجيوش الذي لما شاهد علامات الإخاء بين الأقباط والنوبيين والحبش، رغِب في عقد معاهدة مع ملوك هاتين الأمتين؛ لتسهيل طرق التجارة وامتدادها بين الديار المِصرية وتلك البلاد …”؛ وكان له ذٰلك: إذ كاشف أكابر الأقباط، وطلب منهم أن يبذُِلوا المساعي في تحقيق ما يريد، بعقد المحادثات مع تلك الدُّول من خلال الأب البطريرك. حتى تحقق له مراده فعلاً؛ فيُذكر: “وهٰكذا تم الاتفاق على ما يروم أمير الجيوش، الذي أنعم على البطريرك بمال يستعين به على إصلاح الأديرة والكنائس المتخربة.”.
ومن الأحداث التي وقعت وامتدت آثارها إلى أيام حَبرية “البابا كِيرِلُّس الثاني”، أن شخصًا يُدعى “كِيرِلُّس” – وفي بعض المصادر “قوريل” – سافر إلى “الحبشة”، وادعى كذبًا أنه المِطران المرسَل من “البابا خرستوذولوس” (السالف “للبابا كيرلس الثاني”)، وتسلط هناك. ولما علِم “البابا كِيرِلُّس الثاني” بتلك الواقعة، رسم مِطرانًا شرعيًّا لكنيسة الحبشة يسمى “ساويرُس” (وهو ابن أخت مِطران النوبة المتنيح “بقطر”)؛ وعندما وصل المِطران “ساويرس” هناك، قاومه مغتصب الكهنوت “قوريل”، ثم جمع أمواله وهرب إلى مملكة “دَهْلَك” بالنوبة، فقبض عليه ملكها وأخذ أمواله، وأرسله إلى أمير الجيوش؛ فلما وصل إلى مجلسه بحث فيما وُجه إليه من اتهامات، وعندما علِم بصحة تلك التهم أمر بحبسه، ثم قتله.
أما الأمور في “الحبشة”، فقد سارت على نحو جيد، حتى إن “المِطران ساوِيرُس” أرسل إلى “البابا كِيرِلُّس الثاني” يخبره أن الفساد زال من البلاد، وأنه وعظ الملك ووزراءه والرعية بالتخلي عن العادات القديمة التي لا تناسب الحياة الروحية؛ وفي نهاية رسالته طلب إلى البابا أن يُرسل رسالة تعليمية إلى الملك والشعب هناك، معلمًا إياهم وصايا الكتاب من أجل نفعهم، وقد أجابه البابا إلى طلبه.
وقد رسم “البابا كِيرِلُّس الثاني” عددًا من الأساقفة عندما خلت عدة إيبارشيات من أساقفتها، وبنى كنائس منها “كنيسة القديسين بالإسكندرية” المعروفة بـ”القمحا”، وعمَّر أخرى. ويذكر مؤرخ سيرة البابا أن بعض الأشخاص قد ظنوا عند رسامة “البابا كِيرِلُّس الثاني” أنه سيكون تابعًا لرأيهم، والقرارات ستكون لهم، إذ كانوا يرَون أنه قليل العلم!! إلا أنه لم يتحقق لهم ما أرادوه، إذ منذ أن جلس “البابا كِيرِلُّس”، شرع يقرأ الكتب وأخذ يدرُسها بعناية حتى أصبح متمكنًا من تفسيرها على أفضل وجه.
ونعِمت البلاد بالسلام في عهد “البابا كِيرِلُّس الثاني”، حتى إن كاتب سيرته يذكر: “ماء النيل المبارك، منذ صار بطريركًا وإلى الآن، يزيد عن حد الوفا، والرخاء يتزايد، والأمن شامل لجميع هٰذه البلاد، وساير طرقاتها وبراريها نهارًا وليلاً.”. لٰكن “البابا كِيرِلُّس الثاني” لم يسلم من المكائد والأتعاب الداخلية؛ إذ قدم بعض الأساقفة شكاوى عليه إلى أمير الجيوش، مستخدمين خولي بساتينه، متهمين البابا بكثير من الأمور!! فأرسل أمير الجيوش إلى “البابا كِيرِلُّس الثاني” يستحضره ومعه جميع الأساقفة، فاجتمع لديه ٤٧ أسقفًا و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

No Result
View All Result