أهنئ أقباط “مِصر” والعالم بـ”عيد النيروز” الذي نحتفل به منذ أيام قليلة. و”عيد النيروز” هو “عيد رأس السنة القبطية”، المرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشهداء الذين قدموا حياتهم ثمنًا لإيمانهم العظيم؛ فقد مرت بالمَسيحية – وخاصة في “مِصر” – عصور استشهاد منذ عصر الدولة الرومانية وعهد الإمبراطور “نيرون”، وازداد الاستشهاد بشدة مع الإمبراطورَين “دِقْلِدْيانوس” و”مَكْسِمْيانوس”. و”عيد النيروز” القبطيّ، يختلف عن “عيد النيروز” الذي يحتفل به “الفرس” مع بَدء الربيع. كل عام وجميعكم بخير وسلام، ونضرع إلى الرب أن يحفظ بلادنا “مِصر” من كل شر، ويرفع عن العالم الألم والوباء.
تحدثت المقالة السابقة ببعض أتعاب “البابا كِيرِلُّس الثاني” التي نالته من بعض الأساقفة وشخص قبطيّ يُدعى “يسيب” يعمل خولي في بساتين أمير الجيوش، وأن مآربهم جميعّا لم تتم، وكذٰلك بعض المتاعب التي حدثت مع الأحباش.
وفي أيام “البابا كِيرِلُّس الثاني”، ازداد عدد الأرمن المهاجرين إلى “مِصر”، فانتخبوا بطريركًا سامه لهم “البابا كِيرِلُّس الثاني”؛ وأعقب ذٰلك بيان أرسله البابا يُعلن فيه وَحدة كنائس “مِصر” و”الحبشة” و”أنطاكية” و”أرمينيا” في الإيمان الأرثوذكسيّ السليم. كذٰلك في عهد “البابا كيرلس الثاني” وقعت زلزلة عظيمة بـ”أنطاكية” عام ١٠٩١م، يُذكر عنها: “فسقط منها اثنان وثلاثون برجًا من «باب البحر» إلى «باب فارس»، وانخسف بعضها، ودخل النهر العظيم – المعروف بـ«العاصي» – إليها، وشق وسطها.”.
وقد ذُكر عن “البابا كِيرِلُّس الثاني” اهتمامه بإعلان القوانين الكنسية ونشرها على الشعب؛ حتى يدركوها ويعملوا بها. كذٰلك وضع “البابا كِيرِلُّس الثاني” عددًا من القوانين تتعلق بعدم تقاضي أموال نظير الأعمال الكهنوتية، وبقطع أيّ قَس أو أسقف يرفض قَبول خاطئ تائب، إذ برفضه يخالف تعاليم السيد المسيح القائل: “يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب”، و”من يُقْبل إليَّ لا أُخرجه خارجًا”. أيضًا اهتم البابا البطريرك بخدمة الرعية، فوضع القوانين التي توضح دور الأب الأسقف تجاه رعيته من القساوسة والشعب والرهبان، وخدمته لهم بالتعليم من أجل خلاص أنفسهم، مع اهتمامه بالفقراء والمعوزين والكنائس والأديرة التي تتبعه. كذٰلك عمِل البابا على بيان أهمية الصوم ووجوب التمسك به، مع ضرورة التزام الآباء الكهنة والشعب بحياة التدقيق، موصيًا بضرورة الاحترام نحو الكهنة والأساقفة. وفي عهد ذٰلك الأب البطريرك، رُممت “كنيسة القيامة” بالقدس، التي أمر “الحاكم بأمر الله” بإحراقها إبان حكمه؛ وقد أرسل “البابا كِيرِلُّس الثاني” مندوبين عن “الكنيسة القبطية” لتكريسها في “عيد القيامة” عام ١٠٨٤م.
ويذكر “يوحنا بن صاعد القلزميّ”، كاتب سيرة “البابا كيرلس الثاني”، عنه: “وهو راهب قديس روحانيّ، متواضع وديع، زاهد جدًّا، باغض للقُِنية (لتملك المال والماديات)، يتصدق بجميع ما يُحمل إليه من الكراسيّ (من الإيبارشيات) على الضعفاء، ومنه ما يصرفه في عمارة الكنائس والديارات … ومنه ما يعين به النصارى المصادَرين ويفُكهم من العقوبة، حتى إنه لما تنيح لم يوجد له دينار ولا درهم!! وكانت أفعاله كلها حسنة جميلة. وكان حلو المنطق، مقبول الصورة، صائم الدهر، كثير الصلاة، لا يأكل مما يعمل في قلايته لتلاميذه شيئًا من الألوان (ألوان الطعام)، إلا لونًا واحدًا يقدم له في زُبدية. أمّا من الحبوب أو من البُقول، فيستعمل منه اليسير من العشاء إلى العشاء …”. لقد كان “البابا كِيرِلُّس الثاني” أبًا وَرِعًا، غير محب للمال، كثير الصلوات زاهدًا في مَلبسه وطعامه.
تنيح “البابا كِيرِلُّس الثاني” عام ١٠٩٢م، بعد أن قضّى قرابة ١٤ عامًا وبضعة أشهر على السُّدة المَرقسية، ودُفن بكنيسة الملاك ميخائيل بجزيرة “مِصر”، ثم نُقل جسده إلى “دير القديس مقاريوس” بوادي النطرون؛ ثم خلفه “البابا ميخائيل الثاني”، و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ