بدأ الحديث عن “البابا مقارة الثاني” (الـ٦٩ في بطاركة الإسكندرية)، المرسوم سنة ١102م، رغمًا عنه إذ لم يرغب تولي هٰذه المسؤولية الجسيمة، أيام حكم “الآمِر بأحكام الله”، بعد أن اتفق رأي الجميع على اختياره.
ومن عجائب ما حدث في أيام ذلك البطريرك ما ذكره “أنبا ساويرس ابن المقفع” أنه في السنة الثامنة “للبابا مقارة الثاني”: “ثارت ريح عظيمة سوداء وغبار … وصار في الجو حمرة عظيمة منتشرة على الأرض مثل النار!!! ثم صارت ظلمة عظيمة شديدة حتى لم يبصر أحد من الناس الآخر!!! واعتقد جميع الناس أن القيامة قد حضرت؛ فخرجوا من دُورهم ومساكنهم، وخلَّوا (تركوا) أبوابها مفتوحة، معتقدين أنهم هلكوا، لا رجوع لهم إليها، وصاروا هايمين على وجوههم في الجوامع والكنايس والأزقة. والباعة تركوا حوانيتهم (متاجرهم) وما فيها من ذهب وفِضة وقَطَانِيّ (حُبوب) وبُرّ (حَبُّ القمح) ومتاع (مقتنيات) وغيره، وساحوا (ساروا) في الظلمة حايرين، يطلبون المواضع المنفسحة المكشوفة؛ خوفًا أن تسقط عليهم السُّقوف أو الحيطان، وكانت ساعة مهولة لم يُرَ مثلها. وذكرت جماعة من الشيوخ أنهم لم يرَوا مثله ولا سمِعوا به من أيام «موسى النبيّ». وبعد ساعة، جاء المطر، وانقشعت الغُبَرة (الغُبار)، وسكنت الرياح وزالت، وظهر النور؛ فعاد الناس إلى بيوتهم، وإلى حوانيتهم، وشكروا الله تعالى ومجدوه الذي أراهم يسيرًا من قدرته، فلما كادوا يهلكون أدركهم بعفوه ورحمته.”.
كذٰلك وقعت زلزلة عظيمة بـ”مِصر”؛ فلما جاء الليل، تهدمت “كنيسة ميكاييل (ميخائيل) بجزيرة “الروضة”، مقر البطريركية آنذاك، وأشيع أن الزلزلة أسقطتها، لٰكن شخصًا مشتغلاً بالبناء يُدعى “يوسف المستحب المسلماني”، ابن “مرقورة النصرانيّ”، كان مقيمًا بـ”الروضة” لإنشاء دُور وبساتين جوار الكنيسة بِناءً على أمر الوزير “الأجلّ الأفضل”، عندما انتهى من البناء، أقام حصنًا حول تلك الدور والبساتين وصل لطاحونة مقابلة لبابها، وطلب مالاً ليَميل ببناء الحصن قليلاً عن الطاحونة، وإلا هدمها وأجاز الحصن من وسطها؛ فلم يُقدم له شيء وقامت مُشادّات كثيرة. وعندما وقعت الزلزلة بات “يوسف المستحب” والفَعَلة في “الروضة”، ثم أمر عُماله بهدم الكنيسة، وفي الصباح، أشاع أن الزلزلة نهارًا شققت جدران الكنيسة والرياح ليلاً أسقطتها. وحزِن المَسيحيون بشدة على تهدم الكنيسة، وعندما بلغ الأمر “البابا مقارة الثاني” اغتم قلبه، قائلاً: “إنما كان هٰذا في أيامي لكثرة ذنوبي”!!
وفي أيام “البابا مقارة الثاني”، تنيح “أنبا سنهوت” (شنوده) أسقف “مِصر”، الذي كان بارًّا، ذا صيت حسن بين الشعب، غزير العلم في تواضع، متسمًا بالبساطة والصبر وعمَل الخير للجميع. ثم طلب الشعب من الأب البطريرك أن يَسيم أسقفًا يخلُف “أنبا سنهوت”، فتمهل، لٰكن الشعب أصر على طلبه؛ فاستجاب ورسم لهم أسقفًا.
وفي السنة الخامسة عشْرة على بطريركية “البابا مقارة الثاني”، وصلت حملة “الفَِرَِنجة” إلى “الفرَما”؛ فنهبوا المدينة وأحرقوها، ثم خططوا للهجوم على “مِصر” فجأةً! فلم يكتمل لهم مرادهم؛ إذ مرِض رئيسهم “بردويل” (بلدوين الأول)، ثم اشتد مرضه جدًّا في اليوم الثالث فأمر خواصّه أن يحملوه عائدين إلى “الشام”؛ وبينما هم في طريق العودة مات منهم بـ”العريش”؛ فحنطوه وعادوا به “للقدس”. أيضًا شهِدت أيام “البابا مقارة الثاني” قتل الوزير “الأفضل بن بدر الجماليّ”، وتقليد “عبد الله البَطايحيّ” الوزارة إلى أن غضِب عليه الخليفة “الآمِر” وقبض عليه سنة ٥١٩هـ (١١٢٥م). وظلت “مِصر” بلا وزير حتى موت الخليفة “الآمِر” مقتولاً سنة ٥٢٤هـ (١١٣٠م).
تنيح البابا “مقارة الثاني” سنة ١١٢٨م، بعد أن قضَّى على كرسيّ “مار مَرقس الرسول” ٢٦ سنة وبضعة أشهر، ذكر مؤرخون أنها كانت سنوات سلام. و… والحديث في “مصر عن الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ