بدأ الحديث عن فكرة إنشاء “بيت العائلة المصرية” لأجل الحفاظ على النسيج الوطنيّ الواحد لأبناء “مِصر”،في ظل تحديات كثيرة كانت تمربالوطن.ولم تتوقف أنشطة “بيت العائلة المِصرية”طوال عشر سنوات، في تلك المرحلة الدقيقة والحرجة من تاريخ “مِصر”؛فقد بدأت تلك الأنشطة من خلال ثماني لجان متخصصة، ثم أضيفت إليها لجنتان لتصبح عشْر لجان، لكلٍّ دورها وأعمالها. كذٰلك صار لبيت العائلة 17 فرعًا في 15 محافظة.
وما إن تألف “بيت العائلة المِصرية”، حتى شرع بنشاط في تحقيق عدد من الإنجازات في مِلف “الوَحدة الوطنية”وتأكيد قيم المواطنة بين أفراد الشعب،وبالأخصالمناطق التي تعاني فقرًا وجهلاً؛ فكانتنظيمهلعدد من اللقاءات للأئمة والقساوسة بعُنوان: “معًا من أجل «مِصر»”، استمرت ثلاث سنوات، قُدمت فيها محاضرات وندوات ومناقشات، وتدريبات، وقوافل مشتركة لزيارة المساجد والكنائس والأديرةوالمستشفيات والمدارس وبعض المشروعات الوطنية، ما كان لها الأثر الإيجابيّ في تفعيل القيم المشتركة وإعادة القيم المهجورة. وأذكر أنني دعوت أ. أحمد السرساوي إلى حضور أحد تلك اللقاءات؛فكتب يقول عن تجرِبته تلك: “لن أنسى في حياتي هٰذه الرحلة والتجربة الثرية … كان أسبوعًا تعايشيًّا بين مجموعة من أبناء «مِصر»، مثلوا مزيجًا رائعًا من علماء ورجال الدين المسلمين والمَسيحيين، حرَص المنظمون أن يقيم كل داعية مسلم مع أخ من الكهنة والقساوسة في نفس الغرفة، لتحقيق التعايش فكرًا وتطبيقًا وروحًا، واكتشفت سمة تجمعهم جميعًا، إضافة إلى الجوانب الروحية والعقلية، وهي حب «القفشات» اللاذعة والمحبوكة، والدعابات الراقية”.
كذٰلك نجح “بيت العائلة المِصرية”، بالشراكة مع التربية الاجتماعية والدينية بـ”وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنيّ”،في تكوين أصدقاء له في كثير من المدارس بالمحافظات من خلال ممارسة برامج وأنشطة تهدُف إلى غرس قيم المحبة والود والمواطنة بين الطلاب، ومعالجة العنف والكراهية، في سعي دائم نحو تأكيد القيم والمبادئ المشتركة بين الأديان،وإلى جانب هٰذا إقامة كثير من المؤتمرات واللقاءات كمؤتمر “معًا ضد الإرهاب” سنة 2017م.
ومع تزايد دَور “بيت العائلة المصرية” ونجاحاته، بدأت محاولات المشككينلإثارة ظنون غير سليمة في أهدافه؛ وهنا أرى من المهم عرض ما قدمه فضيلة الإمام الأكبر أ.د. “أحمد الطيب” من توضيح في كلمته عن تلك المحاولاتفقال: “غير أن الوفاء بواجب أمانة الكلمة يقتضيني، وقبل أن أفارق مقامي هٰذا، أن أُوجز القول في أمر، أعتقد أنه بحاجة إلى شيء من التوضيح، أو لنقُل: من التنبيه؛ قطعًا للشكوك والظنون التي يثيرها البعض، في محاولة لصرف الأنظار عن هٰذا البيت، وتركه يموت موتًا رحيمًا، أو يبقى جثة هامدة، لا هو حيّ، ولا هو ميت!!هٰذا الأمر هو: محاولة الخلط بين تآخي «الإسلام» و«المَسيحية» في الدفاع عن حق المواطن المِصريّ في أن يعيش في أمن وسلام واستقرار، نعم، الخلط بين هٰذا التآخي، وبين امتزاج هٰذين الدِّينين وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكل منهما، وبخاصة في ظل التوجهات التي تُنادي بـ«الإبراهيمية» أو «الدِّين الإبراهيميّ» ـ نسبةً إلى «إبراهيم»عليه السلام أبي الأنبياء ومجمع رسالاتهم وملتقى شرائعهم ـ وما تطمح إليه هٰذه التوجهات ـ فيما يبدو ـ من مزج «اليهودية» و«المَسيحية» و«الإسلام» في رسالة واحدة أو دِين واحد يجتمع عليه الناس، ويخلِّصهم من بوائق النزاعات، والصراعات التي تُؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس، بل بين أبناء الدِّين الواحد والمؤمنين بعقيدة واحدة. وهٰذا التوجه أو هٰذه الدعوى، مِثلها مثل دعوى «العولمة»، و«نهاية التاريخ»، و«الأخلاق العالمية»، وغيرها؛هٰذه الدعاوى، وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها وكأنها دعوى إلى الاجتماع الإنسانيّ وتوحيده، والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته،فإنها، هي نفسها، وفي حقيقة الأمر، دعوة إلى مصادرة أغلى ما يمتلكه بنو الإنسانِ: وهو «حرية الاعتقاد» و«حرية الإيمان»، و«حرية الاختيار»، وكل ذٰلك مما ضمِنته الأديان، وأكدته في نصوص صريحة واضحة. ثم هي دعوةٌ فيها من أضغاث الأحلام أضعافَ أضعافِ ما فيها من الإدراك الصحيح لحقائق الأمور وطبائعها.وما نريد أن نخلُص إليه من هٰذه الكلمات الموجزة: هو أن انفتاح «الأزهر» وعلمائه على «كنائس مِصر» ورجالها وقادتها، وفي مقدمتها: «الكنيسةُ الأرثوذكسية»، وكذٰلك انفتاح «الكنائس المِصرية» على «الأزهر»، ليس كما يصوره البعض محاولة لإذابة الفوارق بين العقائد والمِلل والأديان ـ وواضح أن هٰذا البعض صعُب عليه إدراك الفرق بين احترام عقيدة الآخَر وبين الإيمان بها، وأن احترام عقيدة الآخَر شيء، والاعتراف بها شيء آخَر مختلف تمام الاختلاف.”. و … ويزال الحديث عن “بيت العائلة المصرية” مستمرًا من حديث “مِصر الحلوة” الذي لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ