تحدثت مقالة سابقة عن كلمة فضيلة الإمام الأكبر أ. د. “أحمد الطيب”؛ وهنا أود الثناء على شهادة فضيلته الذي استطاع التصدي للحقيقة بنفسه، ولم يخشَ في الله لومة لائم؛ ففي كلمة فضيلته أوضح الخلط الذي يحاول بعضهم أن يغرسه في العقول من أجل التأثير في الرؤية تجاه دور “بيت العائلة المصرية”: “لصرف الأنظار عن هٰذا البيت”، أو أن: “يبقى جثة هامدة”!! نعم، فإن فارقًا كبيرًا بين “التآخي” و”الامتزاج”: فالتآخي هو محاولة عيش المِصريين، مسلمين أو مَسيحيين، في سلام؛ مما يحقق أمن الوطن وازدهاره. أما “الامتزاج” فيعني تبني أفكار الآخر والإيمان بها؛ وهٰذا أمر غير وارد أبدًا، فالعيش بسلام والتآخي لا يعني أن يتحتم على الشخص تبني إيمانيات الآخَر!!
وكما أشار فضيلة أ. د. أحمد الطيب إلى التوجهات التي تنادي بـ”الإبراهيمية”، محاوِلةً مزج “اليهودية” و”المَسيحية” و”الإسلام” لتصير دينًا واحدًا يتفق عليه البشر، فإنها محاولات، حتى إن كان ظاهرها هو تحقيق السلام، فإنها تفتقد كثيرًا من الرؤية ولما وهبه الله للبشر من سمات أحدها: “الحرية”. لقد أعطى الله البشرَ طريقين، لا ثالث لهما: إما أن يسلكوا بمبادئ الخير، وإما أن يجنبوها من حياتهم؛ إما أن يعملوا بتفانٍ لأداء رسالاتهم مساندين بعضهم بعضًا بالتشجيع والتعاون، وإما أن يعملوا من أجل ذواتهم بعضهم على حساب بعض بالسيطرة على المصاير. إن الله وهب للإنسان الحرية ليختار الطريق التي يرغب السير فيها. وقد عبّرت الأديان جميعها عن أهمية كرامة الإنسان، وحريته الكاملة الموهوبة له من الله، وتركت الاختيار له في اتباع وصاياه أو رفضها، مع تحمله لمسؤولية اختياره. وإن كان الله قد طالبنا أن نصلح في الأرض، لا أن نُفسِد فيها، فإن البشر في هٰذا الزمان يُفسدون الأرض تحت مسميات لا يرضى عنها الله: منها ما يدْعون إليه أصحاب الأيديولوﭼيات الموجَّهة، تحت مسمى “الحرية” أو “وَحدة الأديان،” أو “الدين العالميّ الموحد”، أو “الدين الإبراهيمي”.
إن تلك المحاولات ما هي إلا إفساد في خليقة الله. فكيف، بعد أن خلق الإلٰه إلانسان والأرض على أفضل تكوين وهيئة، يطلب منا أن نُفسد ما صنعه؟!! أما يعلمون أن خلق الله هو أدق تكوين وأبدع نظام؟ وهٰذا ما قالته “المسيحية”: “خَلَقَ ﭑللهُ السَّمَاوَاتِ وَﭑلْأَرْضَ … وَرَأَى ﭑللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا.”، وأكد “الإسلام” المعنى نفسه: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ﭑلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى ﭑلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى ﭑلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى ﭑلْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾. فكيف، إذًا، نقبل هٰذا الدرن الذي يسعى ليتفشى فينا؟! وهٰذا ما حذر منه فضيلة الإمام الأكبر بكل جُرأة وشجاعة وقوة؛ إنه الطريق الخفيّ الأسود الناعم الدقيق، طريق الشيطان الذي يَخفَى على كثيرين، لٰكن لا يخدع أصحاب البصائر والضمائر: إن طريقه ينتهي عند إبعاد البشر عن أديانهم، وجعلهم كأحجار غشيمة، ليصيروا أحجارًا ملساء صالحة لأن تكون لبِنة في جدار نظام عالميّ جديد، يجعلهم كالقطيع الذي يساق إلى ذبحه، وهو لا يدري!!
إن غاية تلك الأفكار القضاء على كل روح دينية أينما كانت، لاجتزاء جميع الأديان السماوية من على سطح الأرض ودفنها، ولتصدير دين وهميّ يسمى بـ”الدين الإبراهيميّ”، ولإذابة كل أصحاب الديانات السماوية فيه؛ وهٰذا يُعد البداية الفعلية للقضاء على العلاقة بيننا وبين الله؛ وهنا يُلح سؤال: هل يكون، بعد ذٰلك، نبيّ لهٰذا الدين الجديد، ويطلب منا تصديقه واتباعه؟!! لذٰلك علينا أن نُدرك أنه لا خلاص إلا بالرجوع إلى الله ـ تبارك اسمه ـ فهو سيد الوجود، وبأن نحمي أنفسنا، متمسكين بالفضيلة، رافضين الظلمة. إن ما يجري للإجهاز على الأديان لَيُعد مؤامرةً تحاك خيوطها على المؤمنين، لهدم الأخلاق، وللإطاحة بقوميات الأمم والشعوب. إن حربًا حقيقية تجري بين الخير والشر، وما يحدث هو سُمًّ موضوع في عسل يروِّج لبلاء يريد الفتك بنا، في كلمات تغلَّف باسم الله والله منها براء!! إنه لَيُرعبني جدًّا حين يأتي شيطان ذاكرًا اسم الله!!! وأذكر هنا ما قاله الإمام “عليّ بن أبي طالب”: “كلمة حق أريدَ بها باطل”. فيا أيها الإنسان، إن كان لك أن تتعظ، فاتعظ بنفسك قبل غيرك! ومن له آذان للسمع، فليسمع. و … وما يزال الحديث عن “بيت العائلة المِصرية” مستمرًا، في حديث “مِصر الحلوة” الذي لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ