تحدثت مقالة سابقة عن الخليفة العباسيّ “المسترشد بالله” (٥١٢-٥٢٩هـ) (١١١٨-١١٣٥م)، الذي شهِد استمرار النزاع بين أفراد الدولة السَّلْچُوقية، والذي حاول استرداد نفوذ الخلفاء العباسيِّين فكوَّن جيشًا كبيرًا خاض به كثيرًا من المعارك حتى وفاته؛ فتولى من بعده الخلافة ابنه “الراشد بالله” ليكون الثلاثين في خلفاء الدولة العباسية، لٰكنه خُلع عن الخلافة وخلفه عمه “المقتفي لأمر الله” خليفةً بديلاً عنه.
“المقتفي لأمر الله” (530-555هـ) (1136-1160م)
الحادي والثلاثون في خلفاء الدولة العباسية، ويُدعى “أبا عبد الله الحسين ابن المستظهر”، وتلقب باسم “المقتفي لأمر الله”، وقد بويع بالخلافة سنة 530هـ (1136م)، وقد حكم الدولة العباسية قرابة خمس وعشرين سنة، ويُذكر عنه: “وفي أثناء حكمه الطويل، استمر الخلاف قائمًا بين أفراد البيت المالك من السلجوقيين، فانتهز الخليفة تلك الفرصة وبسط نفوذه السياسيّ على بلاد «العراق»، لا يشركه في حكمه أحد من السلجوقيين. وقد اتصف «المقتفي» بالشجاعة والإقدام، وقد تولى أمر الحروب بنفسه …وكان حليمًا كريمًا عادلاً حسَن السيرة، من الرجال ذوي الرأي والعقل الكثير.” كما قيل فيه: “وكان إمامًا عالمًا، أديبًا، شجاعًا، حليمًا، دمِث الأخلاق، كامل السُّودَد (السيادة أو المجد والشرف)، خليقًا بالخلافة، قليل المِثل في الأئمة.”. وقد مرِض “المقتفي”، وتُوفي سنة 555هـ (1160م)، وتولى أمور الخلافة من بعده ابنه “المستنجد بالله”.
المستنجد بالله (555-566هـ) (1136-1171م)
هو “أبو المظفَّر يوسف بن المقتفي لأمر الله”، وتلقب بـ”المستنجد بالله”، وصار وليًّا للعهد وهو في التاسعة والعشرين. وبعد وفاة أبيه، وقبل توليه أمور الحكم، دبرت له مكيدة لقتله “أُم عليّ” أخيه، إلا أن المكيدة كُشفت، ونجح في تولي الخلافة. وقد ذكر المؤرخون عنه أنه كان يقرض الشعر، ومنه:
عَيَّرَتْنِي بِالشَّيْبِ وَهُوَ وَقَارُ لَيْتَهَا عَيَّرَتْ بِمَا هُوَ عَارُ
إِنْ تَكُنْ شَابَتِ الذَّوَائِبُ مِنِّي فَاللَّيَالِي تَزِينُها الْأَقْمَارُ
وذكرفي شأنه “ابن التَّغريّ”: “وكان «المستنجد» أسمر، طويل اللحية، معتدل القامة، شجاعًا، مهيبًا، عادلاً في الرعية، ذكيًّا، فصيحًا، فطِنًا؛ أزال المظالم والمُكوس (الضرائب).”. وقد حكم إحدى عشرة سنة تقريبًا، ثم خلفة ابنه “المستضيء بالله”.
“المستضيء بأمر الله” (566- 575هـ) (1171- 1179/ 1180م)
هو “أبو محمد الحسن بن يوسف”، وتلقب بـ”المستضيء بأمر الله”. انقرضت في أيامه الدولة الفاطمية، وبدأ حكم الدولة الأيوبية، وعادت “مِصر” وتوابعها و”سوريا” تحت حكم الدولة العباسية دينيًّا، وأعيد للخطب ذكر الخلفاء العباسيِّين على المنابر بعد أن انقطع ذكرهم في عهد الدولة الفاطمية. وقد وصف المؤرخون “المستضيء”: “وكان عادلاً، حسن السيرة في الرعية، كثير البذل للأموال. وكان الناس معه في أمن عام، وإحسان شامل، وطمأنينة، وسكون لم يرَوا مثله.”. تُوفي “المستضيء” وخلفه ابنه “الناصر لدين الله”.
“الناصر لدين الله” (575-622هـ) (1180-1225م)
هو “أبو العباس أحمد بن المستضيء”، وتلقب بـ”الناصر لدين الله”. يُعد أطول من حكم بين خلفاء الدولة العباسية إذ امتد حكمه قرابة سبع وأربعين عامًا. وقد اختلف المؤرخون فيه: فذكر بعضهم: “كان قبيح السيرة في رعيته، ظالمًا لهم، فخُرِّب في أيامه «العراق» وتفرَّق أهله في البلاد، وكان يفعل الشيء وضده! وكان اعتنق المذهب الشيعي. ويقال: كان بينه وبين التتر مراسلات حتى أطمعهم في البلاد.”، في حين يرى بعضهم أنه: “اتصف بالنبل والإقدام. واستردت الخلافة في عهده كثيرًا من مقامها السالف. واشتُهر بالشجاعة والكرم … وبذل جهد طاقته للقضاء على نفوذ السلجوقيين فشجع الفتن والقلاقل بين أفراد تلك الأسرة وأمرائها حتى يُضعفوا بعضهم بعضًا …”، إلا أنهم يتفقون على استعانته بـالتتار لمواجهة “شاهات (أو “شاه”) خوارزم” الذي طمع في أن يكون له سلطان السَّلْچُوقيِّين ونفوذهم بـ”العراق”، إلا أن التتار طمِعوا في الاستيلاء على بلاد الدولة العباسية،و… والحديث في “مصر عن الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ