تحدثت المقالة السابقة عن أربعة خلفاء من خلفاء الدولة العباسية: «المقتفى لأمر الله» (530-555هـ) (1136-1160م)، من بعده ابنه «المستنجد بالله» (555-566هـ) (1136-1171م)، ثم ابنه «المستضىء بالله» (566- 575هـ) (1171- 1179/ 1180م)، ومن بعده «الناصر لدين الله» (575-622 هـ) (1180-1225م) الذى استعان بالتتار إذ يُذكر: «ولكنه أساء التقدير إذا استغاث بدولة فتيَّة (التتار أو المغول) لها أطماع فى الخلافة للقضاء على دولة كانت قد دخلت فى طور انحلالها ودور سقوطها، فكأنه قد استجار من الرمضاء بالنار…»؛ فاللجوء إلى «المغول» قد فتح الباب لأطماعهم فى التوسع، ولذا يذكر المؤرخون: «ارتكب «الناصر» خطأً جسيمًا بالالتجاء إلى «المغول»، فقد أطمعهم فى بلاد الدولة العباسية ودلهم على مواطن ضعفها، إذ انتهزوا تلك الفرصة العظيمة وحولوا تيار فتوحهم نحو الغرب وأغاروا على أطراف الدولة، وحاربوا «شاه خوارزم»، فقضَوا على سلطانه، وعلى سلطان غيره من أمراء المسلمين فى بلاد الجزيرة والموصل وآسيا الصغرى، ثم نزلوا على «العراق» ودخلوا «بغداد» بعد ذلك»؛ وقد تسبب ذلك فى القضاء على «الدولة العباسية». وقد تُوفى الخليفة «الناصر لدين الله» سنة 622هـ (1225م)، وخلفه ابنه «أبو النصر مُحمد الظاهر بأمر الله».
«الظاهر بأمر الله» (622-623هـ) (1225-1226م)
الخامس والثلاثون فى خلفاء الدولة العباسية. تولى الخلافة من بعد أبيه «الناصر». قيل عنه إنه كان عادلاً بين رعيته، مقللاً عنها الضرائب، مهتمًا ببناء جيش قوى. وقد ذكر عن المؤرخ «ابن الأثير»: «لما وُلى «الظاهر» الخلافة، أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سُنّة العُمَرين، فلو قيل: إنه ما وُلى الخلافة بعد «عمر بن عبد العزيز» مثله، لكان القائل صادقًا». وأعاد كثيرًا من الأموال التى اغتُصبت فى أيام أبيه، وأبطل الضرائب فى البلاد جميعها، وأمر بإعادة الضرائب فى جميع «العراق» إلى سابق عهدها. ومما حُكى عن عدله، أنه أعاد أزيد من مائة ألف دينار جُمعت من ظلم إلى أصحابها. كذلك ذُكر أنه كان كريمًا مع العلماء والصلحاء فكان يمنحهم كثيرًا من الأموال. تُوفى «الظاهر بأمر الله» عام 623هـ (1226م)، بعد أن حكم تسعة أشهر وأربعة عشر يومًا تقريبًا، وتولى أمر الخلافة من بعده ابنه «أبو جعفر المنصور».
«المستنصر بالله» (623-640هـ) (1226- 1242م)
«أبو جعفر المنصور»، الملقب بـ«المستنصر بالله»، السادس والثلاثون فى خلفاء الدولة العباسية، وقد ذُكر عنه أنه: «كان جوادًا كريمًا، وله آثار جليلة فى «بغداد»؛ ومنها – وهى أعظمها – «المدرسة المستنصرية» على شط «دجلة» من الجانب الشرقى.. وبنى غيرها من القناطر والخانات والرُّبُط (ملاجئ الفقراء) ودُور الضيافة». استمر فى الحكم قرابة سبعة عشر عامًا، ازداد فى أثنائها نفوذ «المغول» فى آسيا وفى بلاد الدولة العباسية؛ حيث غزوا البلاد وأعملوا النار فيها. إلا أنه يُذكر للخليفة «المستنصر» أنه لقى بعسكره جنود «المغول»، وحاربهم وهزمهم هزيمة عظيمة. تُوفى «المستنصر بالله» عام 640هـ (1242م) ليخلفه ابنه «المستعصم بالله».
«المستعصم بالله» (640-656هـ) (1242-1258م)
آخر خلفاء الدولة العباسية. اسمه «أبو أحمد عبد الله»، وتلقب بـ«المستعصم بالله». تولى الخلافة بعد موت أبيه، واستمر فى حكم البلاد حتى أغار المغول على أملاك الدولة العباسية، وتمكنوا من دخول «بغداد» والاستيلاء عليها، وقبضوا على الخليفة سنة 656هـ (1258م). ثم رحل القائد المغولى «هولاكو خان» عن «بغداد»، مصطحبًا معه الخليفة «المستعصم» وقتله فى الطريق. وقد ذكر بعض المؤرخين أن «المستعصم» كان ضعيف الشخصية، قليل الخبرة بأمور الحكم، وأن اختياره جاء من قِبل رجال الدولة والحاشية. وقد أدى وزيره «مؤيد الدولة العلقمى» دورًا كبيرًا فى سقوط «بغداد» على يد «المغول». وقيل أيضًا عنه إنه كان متدينًا، عفيف اللسان، يتسم بالجود والكرم. وبموت الخليفة «المستعصم» انتهت الخلافة العباسية فى العاصمة «بغداد».
أما «مصر» فى تلك الحقبة، فقد شهِدت كثيرًا من الأحداث، و… والحديث فى «مصر عن الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى