تحدثت المقالة السابقة عن الخليفة “الحافظ لدين الله”،ثامن خلفاء الدولة الفاطمية في “مِصر”، المتولي الخلافة بعد مقتل ابن عمه “الآمِر بالله”، الذي في زمانه كان الحكم الحقيقيّ للوزير “أمير الجيوش” حتى قُتل، والذيعَهِد إلى “سليمان” أكبر أبنائه بمهام الوزير،ثم ابنه الثاني “حسن” الذي قُتل بأمر أبيه بعد تهديدات الأمراء.
وقد ذُكر عن “الحافظ” أنه كان يُرسل الجنود إلى “عَسْقَلان” كل ستة أشهر بحسب ما يصله من أخبار عن أعداد عساكر “الفرنج”: “وكان «الحافظ» في كل ستة أشهر يجرِّد (يقتطعأو يُخرج) عسكرًا إلى «عَسْقَلان»؛ بما يتحققه من عَزَمات «الفرنج» (ما يعتزمونه كل مرة) في القلة والكثرة، (للتقوية) مع من هو فيها (في «عسقلان») مقيم من (الجنود) المركزية والكنانية وغيرهم؛ فكانت القلة من الفرسان من ثلاثمئة إلى أربعمئة (يعني الذين يُسَيِّرهم في التجريدة) (أيفي جماعة الجنود المقتطعة)، والكثرة من أربعمئة إلى ستمئة، ويقدم على كل مئة فارس أميرًا ويسلم للأمير الخريطة.”.
ومن الأحداث التي شهِدها زمن حكم الخليفة “الحافظ لدين الله” الفاطمي، أنه في السنة الخامسة من حكمه تُوفي الخليفة العباسيّ “المسترشد بالله”حين قتل في حربه مع السَِّلْچُوقيين. وفي السنة السادسة، خُلع الخليفة “الراشد بالله” العباسيّ، وتُوفي بعد عامين تقريبًا. وفي السنة التاسعة، صارت زلزلة عظيمة قال عنها سبط ابن الجوزي: “فيها زُلزلت جنزة (مدينة بين شروان وأذربيجان) … فأهلكت مئتي ألف وثلاثينألف إنسان”، كما ذكر عنها”ابن القَلَانِسِيّ”: “إنها كانت بالدنيا كلها، وإنما كانت بـ«حلب» أعظم، جاءت ثمانين مرة، ورمت أسوار البلد وأبراج القلعة، وهرب أهل البلد إلى ظاهرها.”.
كذٰلك قال بعض المؤرخين إن “الحافظ”كانتتغلب على طباعه صفة الحِلم. وقد تُوفي الخليفة “الحافظ لدين الله” عام 544هـ (1149م) بعد أن مرِض، قيل بداء بالمعدة،وترك وصية بأن يتولى أمور الحكم من بعده “أبو منصور إسماعيل”، أصغر أبنائه، الذي لُقب بـ”الظافر بأمر الله”. وقد قيل إن “الحافظ” يُعد آخر الخلفاء الفاطميِّين الذين حكموا “مِصر”منالأشخاص البالغين.
“الظافر بأمر الله” (544-549هـ) (1149-1154م)
هو “أبو منصور إسماعيل”،ابن “الحافظ لدين الله”، تاسع الخلفاء الفاطميِّين بمصر. تولى الحكم وله من العمر سبعة عشر عامًا وبضعة أشهر. ولحداثته، لم يُحسن حكم البلاد؛ فيذكر المؤرخ “شمس الدين أبو المظفر”: “وكانت أيامه مضطربة لحداثة سنه واشتغاله باللهو”. كذٰلك ذكر القاضي “شمس الدين”: “كان كثير اللهو واللعب، والتفرد بالجواري، واستماع المغاني.”.
وكان أول وزراء “الظافر” هو “نَجم الدين أبو الفتح سليم”، وقد شغل منصب الوزارة مدة قصيرة قرابة الشهرين فقط،وانتهت بمقتله بسبب ثورة “عليّ بن إسحاق بن السَّلَّار” والي الإسكندرية والبحيرة عليه؛إذسار إلى “القاهرة” وخلعهواستولى على الوزارة دون رغبة “الخليفة الظافر”.ثم خرج القائد “عباس بن أبي الفتوح” على “ابن السَّلَّار” ودبر أمر قتله؛ ليتولى هو أمر الوزارة، وتلقب بـ”الأفضل عباس”.
وكان “للأفضل عباس” ابن اسمه “نصر”، أراد يومًا ما أن يقتُل أباه!! فدس له السُّم؛ ويذكر “ابن التَّغريّ”: “فعلِم أبوه واحترز، وأراد أن يقبض عليه فما قدر؛ ومنعه «مؤيد الدولة أسامة» … فشرع أبوه يلاطفه وقال له: عوض ما تقتُلني اقتل «الظافر».”؛ فقد كانت عَلاقة “نصر” بالخليفة “الظافر” قوية، وكان “الظافر” يثق به وينزل متخفيًا إلى منزله. لٰكن في إحدى الليالي، غدر “نصر بن عباس” بصديقه الخليفة “الظافر” وقتله ورمى به في بئر! ولما علِم الوزير “الأفضل عباس” أحضر أخوي الخليفة وابن أخيه وقتلهم جميعًا، ثم ادعى أن “الظافر” ركِب مركبًافانقلب به وغرق، وكان ذٰلك عام 549هـ (1154م). ونتجت عن تلك الأحداث ثورة أهل القاهرة والجند، وطلبوا الثأر من الوزير وابنه،اللذين جمعا الأموال والجواهر وهربا إلى “الشام”.لٰكن “الفرنج” قبض عليهما، وقتلوا “عباسًا”، ثم قتلوا ابنه في العالم التالي. إلا أن مِن المؤرخين من وضع قتل “الظافر” على عاتق أخويه وابن عمه، لٰكن أغلبيتهم اتفقوا على أنقاتل “الظافر” هو”نصر”. و… والحديث في “مِصر عن الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ