تحدثت المقالة السابقة عن الخليفة “الظافر بأمر الله” (544-549هـ) (1149-1154م)ابن “الحافظ لدين الله”، التاسع في خلفاء الفاطميِّين بمصر، المتولي وهو ما يزال حدثًا في السابعة عشرة؛ فلم يحزم حكم البلاد،بل كانت أيامه مضطربة: ففي سنة حكمه الأولى اختلف “ابن مَصال” وزير مصر و”ابن السَّلّار” والي الإسكندرية واقتتلا، فقُتل “ابن مَصال”، واستقل “ابن السَّلّار” بالوَزارةثم قُتل فيما بعد بيد “عباس أبي نصر” الذي صار وزيرًا “للحافظ”. وفي السنة الرابعة من حكم “الظافر”، استولى الترك على سلطان السَِّلْچُوقيين،وقتل بيدصديقه ابن الوزير “نصر بن عباس” ـ كما اتفق أغلبية المؤرخين ـ وتولى الخلافة من بعده ابنه “الفائز بنصر الله”.
“الفائز بنصر الله” (549- 555هـ) (1154- 1160م)
العاشر في خلفاء “مصر” الفاطميِّين، ودُعي “أبا القاسم عيسى”. تولى الخلافة وهو لم يتجاوزالخامسة!! فقد ذكر المؤرخون أن الوزير “عباس” حين علِم باختفاء الخليفة “الظافر”، قتل أخوي “الظافر” وابن عمهم، متهمًا إياهم بقتل “الظافر”، ثم حمل الصبيّ على كتفه وأخرجه للناس وبايعه بالخلافة،ولقبه بالخليفة “الفائز بنصر الله”!! ويذكر عدد من المؤرخين أن الصبيّ حين شاهد القتلى، وسمع صوت ضَجّة الناس، فزِع؛ فيقول “الحافظ أبو عبد الله الذهبيّ”: “فحمله الوزير «عباس» على كتفه، ووقف في صحن الدار، مظهرًا الحزن والكآبة، وأمر أن يدخل الأمراء فدخلوا، فقال لهم: هٰذا ولد مولاكم، وقد قتل عماه مولاكم، وقد قتلتهما كما ترَون به، وأشار إلى القتلى. والواجب إخلاص الطاعة لهٰذا الولد الطفل. فقالوا كلهم: سمِعنا وأطعنا، وضجّوا ضَجّة واحدة بذٰلك. ففزِع الطفل (يعني «الفائز»)، ومال على كتف «عباس» من الفزع؛ وسمَّوه «الفائز»، ثم سيّروه إلى أمه، وقد اختل عقله من تلك الضَجّة فيما قيل، فصار يتحرك في بعض الأوقات ويُصرَع.”.
وهٰكذا، آلت أمور الحكم الحقيقيّ إلى الوزير “عباس”،إلى أنهرب مع ابنه بعد قيامثورة أهل “القاهرة” والجند، طالبين الثأر لموت “الظافر”؛ فكاتبوا “طلائع بن رُزِّيك” الأرمنيّ والي مُنْيَة بني خَصِيب (“المنيا” حاليًّا)، الذي تعقب الوزير وابنه؛ فهربا بعد ما جمَعا ما أمكن حمله من أموال إلى “الشام”. وقيل إن أخت “الظافر” ـ وفي رواية أخرى “طلائع بن رُزِّيك” ـأرسلت إلى “الفرنج” بـ”عسقلان”، ووعدتهم بمال جزيل إن تمكنوا من القبض على “عباس” وابنه “نصر”، فخرج “الفرنج”وقاتلوهما؛ فقُتل “عباس”،في حين قبضوا على ابنه “نصر” وأرسلوه إلى “مِصر”، فيذكر “ابن التَّغْريّ”: “وأرسلت الفرنج «نصر بن عباس» إلى «مصر» في قفص حديد. فلما وصل، تسلَّم رسولهم المال، وذٰلك في ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة …”. أما “نصر”، فقد ضُرب ضربًا شديدًا، ونالته عذابات شديدة وصُلبحتى مات.
صار “طلائع بن رُزِّيك” حاكم “مِصر”، وتكفل بأمر الصبيّ الخليفة “الفائز”، وتلقب بـ”الملك الصالح”. أما “الفائز”، فلم يكُن له من أمور الحكم سوى الاسم فقط لحداثته؛ أما أموره في الحكم، فيذكر “ابن التغريّ”: “ولما استفحل أمر الصالح طلائع” أخذ في جمع المال؛ فإنه كان شرهًا حريصًا على التحصيل … فمال على المستخدمين في الأموال، وأخذ يعمل على الأمراء المقدَّمين في الدولة.”؛ وقد وقعت له أمور مع “ناصر الدولة ياقوت” صاحب الباب (وظيفة تلي رتبة الوزارة ويقال لها “الوَزارة الصغرى”)، و”الأوحد ابن تميم” والي “دِمياط” و”تِنِّيس”، و”قايماز” من كبار الأمراء،وغيرهم؛ فقُتلوا ونُهبت منازلهم بأمر من “الصالح طلائع”؛ ويستكمل “ابن التغري”: “فعند ذٰلك خلت «القاهرة» لـ«طلائع بن رُزِّيك» من مماثل. وأظهر مذهب «الإمامية»، وباع الولايات للأمراء، وجعل لها أسعارًا، ومدتها ستة أشهر؛ فتضرر الناس من تردد الولاة عليهم في كل ستة أشهر.”، و… والحديث في “مِصر عن الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ