“إن استطعنا أن نعرف مسبقًا من نحن، وإلى أين نتجه، استطعنا أن نعرف مايجب أن نفعله وما سوف نفعله.”؛ نعم، ففي الحياة علينا ـ قبل أن نخطو ونتحدث ونعلم ونناقش ـ أن ندرك ماهيتنا: أن نستوعب جيدًا من نحن، وما نقدمه إلى الآخرين، وما الوجهة التي نرغب في الوصول إليها؛ وعلى وجه خاص أولٰئك الذين يملكون قدرة شخصية أو قيادية للتعامل مع البشر. وحين ندرك أنفسنا، وأهدافنا، واتجاهاتنا، فحينئذ أمكننا أن نعرف ما يجب علينا فعله؛ وهذا يقودني إلى الحديث عن دور الإعلام الذي يتزايد تأثيره، يومًا بعد يوم، في الأشخاص والمجتمعات وبدرجة خطيرة، في ظل ثورة معلوماتية يعيشها عالمنا.
تؤكد مواثيق الشرف الإعلامية في البلاد قاطبةً أن الإعلام رسالة غايتها تقديم الحقيقة ونشرها حتى تصل إلى الجمهور بحرية وتجرد وأمانة، ما يجعل أحد أهم أهدافه ـ بوسائله المتعددة وإعلاميِّيه ـ وضوح الرؤية الإعلامية وتكاملها وأمانتها الخالصة في تقديم الرسالة الإعلامية؛ لئلا يتحول التأثير المنشود إلى تأثيرات سلبية تضر بالجمهور ومن ثَم المجتمع بأكمله. ولذا، يصير الإعلام سيفًا ذا حدين: وسيلة بناء وارتقاء بالمجتمعات، أو وسيلة هدم وتفتيت للشعوب والقيم. إن دور الإعلام خطير جدًّا في الحفاظ على أمن الوطن، أو هدمه، بما يبُثه من أفكار في المجتمع؛ وهٰذا يضع المسؤولية على الإعلام والإعلاميين في تحري الدقة فيما يقدمونه من أخبار وموضوعات ورسائل، إلى جانب الموضوعية والقيم الأخلاقية واحترام شعور الآخرين، وبالأخص في جميع ما يمس الديانات والمقدسات، والدفاع عن المصلحة العامة للمجتمع.
الأديان
تتميز المجتمعات الشرقية عمومًا بارتباط شعوبها الشديد بالدين، الذي يؤثر على نحو واسع في بلورة أفكار الإنسان ودوافعه ومن ثم سلوكه. وفي “مِصر” بصفة خاصة على مر تاريخها، نرى ارتباطًا وثيقًا بين الإنسان المصريّ وما يؤمن به من عقيدة. وبنظرة سريعة على التاريخ منذ فجره، في عصور الأسر الفرعونية التي توالت على حكم “مِصر” حتى اليوم، يمكننا إدراك هٰذا الارتباط الوثيق بين المجتمع والدين. ولذا، ما محاولات التشكيك في المعتقدات أو عدم احترام المقدسات إلا محاولات لبث الفتن الرامية إلى إصابة أمن الوطن في مقتل. إن محاولات زعزعة الثوابت والإيمانيات لن تُنتج إلا نوعًا من التخلخل والاستقرار في حياة الإنسان، والنتيجة أثر سلبي غائر في المجتمع بأسره وهدم لأمن البلاد واستقرارها.
إن هدف محاولات التشكيك في المعتقدات الدينية هو هدم الأديان ومحوها، أو كما يدّعي بعضهم: “انتهاء عصر الأديان”، وهي محاولات لن تؤدي إلا إلى ازدياد الكوارث والحروب وعدم استقرار القلوب، التي خُلقت وفي أعماقها انتماء عميق وارتباط خاص بالخالق. إن الإنسان ليس جسدًا فقط ينتهي بالموت كما يدّعي الملحدون، بل به روح من الله، دائمًا ما تشتاق وتسعى نحو خالقها إذ تجد سعادتها الدائمة في الاقتراب منه، وكما عبّر عنها أحد القديسين: “تظل قلوبنا قلقة إلى أن تستريح فيك يا الله.”. أما محاولات إظهار وجود صراعات، ودعاوى التجديد، وإطلاق التهم بالجمود، فهي دعاوى يجدر التحقق من صحتها قبل إطلاقها إلى الناس كأنها حقائق.
الحرية
عزيزي الإنسان، لقد خلقك الله حرًّا، لكن مع الحرية تتولد مسؤولية سوف تعطي عنها حسابًا أمام الله والبشر. وحريتك ليست حجرًا يمنع حريات غيرك، وحرية تعبيرك ليست سببًا مقبولاً للمساس بمشاعر الآخرين ولعدم احترام إيمانياتهم ومقدساتهم. إن الحرية يُعوزها انضباطًا وإلا تضحى عبثا وعشوائية، مثل النهر: تنساب مياهه، لكن بين ضفتين في سريان منضبط. والحرية لها التزامها، تمامًا كإشارات المرور: لكل لون التزام محدد في العبور أو التوقف أو التهيؤ للعبور. ومن منطلق التزام الحرية ينبع عدم الإساءة للآخرين واحترام حرياتهم. و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ