أتقدم بخالص التهنئة للمصريين قيادة وشعبًا والأمة العربية ببدء شهر رمضان، مصلين أن يحفظ الله مصر وشعبها وقادتها من كل سوء وشر، كل عام وجميعكم بخير. استكملت المقالة السابقة حديثها عن “الملك الصالح” وسطوته واستبداده بالناس، ووفاة الخليفة “الفائز” وتولي “العاضد بالله” ابن عمه آخر الخلفاء الفاطميين بـ”مصر”، وقتل “الصالح” وتولي ابنه “رُزِّيك” أمر وزارة البلاد خلفًا له حيث أقام فيها سنة وبضعة أشهر.
وأراد “العاضد” التخلص من “رُزِّيك بن صالح”، فدبر أن يأتي ليحاربه والي الصعيد “شاوَر بن مُجِير السَّعْديّ” مصطحبًا رجاله إلى القاهرة؛ فتقاتلا حتى هُزم “رُزِّيك” وقُتل؛ ويُذكر عن ذٰلك: “ودخل «شاوَر» إلى «القاهرة» وملكها، وأخرب دُور الوزارة ودُور بني «رُزِّيك»؛ واختفى الوزير «رُزِّيك» إلى أن ظفر به «شاوَر» وقتله.”؛ ثم صار “شاوَر” وزيرًا “للعاضد”، فقال عنه “ابن خَلِّكان”: “كان سبب خراب دياره”، كما ذكر “ابن تَغْريّ”: “وتولى «شاوَر» الوَزارة، فعامل «العاضد» بأفعال قبيحة وأساء السيرة في الرعية، وأخذ أمرُ «مِصر» في وَزارته في إدبار (انقضاء وأفوُل بسبب فساده).”. وتذكر كتب التاريخ الكنسيّ أن “العاضد” في عهده استوزر “شاوَر” الذي أحرق “الفسطاط” (“مِصر القديمة”) حتى لا يعسكر فيها “الإفرنج”، فاستمرت النار متقدة أيامًا وتأثر سكان المدينة أبلغ التأثر وهلك منهم كثيرون!! أما الناجون، فقد خرجوا هائمين على وجوهم بلا مأوى بعد أن فقدوا منازلهم وأمتعتهم!!
ومع كثرة ظلم الوزير “شاوَر”، ثار عليه شخص يُدعى “أبا الأشبال ضِرغام بن عامر” الذي حشد الجند لمقاتلته؛ فخرج إليه “شاوَر” برجاله، إلا أن “ضِرغام” هزمه وقُتل ابنه الأكبر. وقيل إن أهل “القاهرة” لم يساندوا “شاوَر” في قتاله لبغضهم إياه. فهرب “شاوَر” إلى “الشام”، واستنجد بالسلطان الملك العادل “نور الدين محمود بن زَنْكي”، طالبًا النجدة والعساكر، على أن تكون “مِصر” للملك العادل، ويصبح “شاوَر” نائبًا له بها، محتفظًا بما له من ممتلكات، وما تبقى من ممتلكات يصير للعادل؛ فاستجاب العادل لطلبه، وأرسل الجنود إلى “مِصر” مع الأمير “أسد الدين شِيرِكُوه بن شادي التركيّ” الذي اصطحب ابن أخيه “صلاح الدين بن أيوب”. وعند الوصول لـ”مصر”، وقعت حروب كثيرة بين “شِيرِكُوه” و”ضِرغام” انتهت بمقتل الأخير بعد أن دامت وزارته قرابة تسعة أشهر. ثم فرض “شاوَر” سطوته على “القاهرة” ثانيةً واستقرت له الأمور، فأراد الغدر بـ”شِيرِكُوه”، فأرسل إلى “الفرنج” يدعوهم إلى “مِصر” لمحاربة “شِيرِكُوه” مقابل المال؛ فكانت حروب بين الفريقين انتهت بالمصالحة، وعاد “أسد الدين شِيرِكُوه” إلى “الشام”.
استبد “شاوَر” بحكم البلاد وسفك الدماء، وظلم وصادر ممتلكات الناس، ولم يكُن للخليفة “العاضد” أمر ولا نهي!! فاستنجد “العاضد” بالملك “نور الدين” على “شاوَر”؛ فأرسل “أسدَ الدينشِيرِكُوه” ثانيةً إلى “مِصر” ومعه “صلاح الدين بن أيوب”، عام 562هـ (1167م). وصل “شِيرِكُوه” إلى بر “الجيزة” غرب النيل، فخرج إليه “شاوَر” و”الفرنج” حيث يذكر ابن تَغْريّ: “وكان «شاوَر» قد أعطى «الفرنج» الأموال، وأقطعهم الإقطاعات، وأنزلهم دُور «القاهرة»، وبنى لهم أسواقًا تخصهم. وكان مقدَّم الفرنج الملك «مُرِّي» و«ابن نيرزان».”. وتقاتل الفريقان، فهزم “أسد الدين” “شاوَر” و”الفرنج” وقتل كثيرين، وتوجه إلى “الإسكندرية”وفتحها وأهلها له طائعون، فولّى عليها “صلاح الدين بن أيوب” وأقام بها. وسار “أسد الدين” إلى الصعيد وتمكن منه وظل به يجمع الأموال؛ فخرج “شاوَر” و”الفرنج” إلى “الإسكندرية” وحاصراها أربعة أشهر محاربين “صلاح الدين” حتى بلغ الخبر “أسد الدين” فسار إليها. عاد “شاوَر” إلى “القاهرة” وتراسل هو و “أسد الدين” حتى كان صلحهما؛ وذُكر: “وأعطى «شاوَر» «أسد الدين» إقطاعًا بـ«مصر» وعجّل له مالاً”. وعاد «أسد الدين» إلى “الشام” مصطحبًا “صلاح الدين”، معتذرًا إلى الملك “نور الدين” بكثرة “الفرنج” و”المال”!
و… والحديث عن “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ