أهنئكم بـ”عيد أحد السَّعَف” (أو “عيد الشَّعانين” أو “عيد دخول السيد المسيح إلى أورُشليم”) الذي احتفل به مَسيحيُّو الشرق الأحد الماضي، والذي يعقبه الأسبوع المقدس أو ما تطلق عليه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: “أسبوع الآلام”؛ حيث تتَّبع فيه خطوات “السيد المسيح”، والذي ينتهي بالاحتفال بـ”عيد القيامة”.
وفي “أحد السعف”، دخل السيد المسيح إلى “أورُشليم” مصطحبًا تلاميذه؛ فما إن عِلمت الجموع بقدومه حتى التفوا حوله محتفين به: فمنهم من وضع ثيابه في الطريق، وآخرون قطعوا أغصانًا من الشجر وفرشوها أمامه صارخين: “أُوْصَنّا لابن داود! مباركٌ الآتي بِاسم الرب! أُوْصَنّا في الأعالي!”؛ ليتحول المشهد موكبًا مهيبًا،ترتج له مدينة أورُشليم، ما دعا أهلها يتساءلون:”من هذا؟!”. وقد تحدث نبيّ العهد القديم “زكريا” عن هذا الدخول الوديع البهيج،فقال: “ابتهجي جدًّا يا ابنة صهيون، اهتِفي يا بنت أورُشليم.هوذا ملككِ يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع، وراكب على حِمار وعلى جحش ابن أتان.”. وقد سبق ذلك الدخول حدثٌ آخر عظيم هو إقامة السيد المسيح لـ”لعازر” من الموت بعد أربعة أيام، حتى إن مرثا أختهقالت للسيد المسيح حين طلبرفع الحجر عن القبر:“ياسيد، قد أنتن لأن له أربعة أيام.”، فأجابها:“ألم أقُل لكِ: إن أمنتِ ترَين مجد الله؟”. ورُفع الحجر، ونادى السيد المسيح بصوت عظيم آمرًا: “لعازر، هلم خارجا! فخرج المَيْت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمِنديل. فقال لهم يسوع:«حُلّوه ودعوه يذهب».”. أما الحاضرون، وكانوا كثيرين، فقد رأوا تلك المعجزة؛فمنهم من آمن بالسيد المسيح، ومنهم من ذهب إلى الفَرِّيسيين وأخبروهمبما صنعه فتشاوروا عليه للتخلص منه!!
ومما يلاحَظ في نبوة “زكريا النبيّ”، أنهوصف شخصية هٰذا الداخل إلى “أورُشليم”بعدة صفات، منها:
ملك
لقد دخل السيد المسيح إلى “أورُشليم”كما الملوك الذين تستقبلهم رعيتهم بالهُتاف وأغصان الشجر علامة النصر والفرح بهم؛ وهذا ما جعل رؤساء اليهود يمتلئون حقدًا وغيظًا،والفَرِّيسيون يقولون بعضهم لبعض: “انظروا! إنكم لا تنفعون شيئًا! هوذا العالم قد ذهب وراءه!”.لقد ظن الفَرِّيسيون أن السيد المسيحملكًا أرضيًّا يفقدهم سلطتهم وسلطانهم، غير مدركين أن مملكته ليست من هٰذا العالم، بل هي في السماء وقلوب البشر الذين يحبونه بصدق. لم يتمكنوا من فَهم أن “السيد المسيح”، الذي عاش بين البشر الضعفاء والمحتاجين والمتألمين وأولٰئك الذين ليس لهم أحد يذكرهم، يعمل الخير ويخفف آلامهم ويعلَّمهم، هو محب البشر الذي أتى لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل بإعادتهم إلى الله.
وديع
اتسمت حياة السيد المسيح بالوداعة فقيل عنه بفم الأنبياء:“لا يصيح ولا يَرفَع ولا يُسمِع في الشارع صوتَه. قصبةً مرضوضةً لا يَقصِف، وفتيلةً خامدةً لا يُطفئ.”، وكما قال: “احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم.”. تلك الوداعة التي عاش بها بين البشر،جائلاً يصنع خيرًا، فلم يُرَ مهدِّدًا أو متوعِّدًا أيّ إنسان، على الرغم من الإساءات التي تحملها من الكتبة والفَرِّيسيين؛ وكانت تعاليمه لتلاميذه وللشعب بالمحبة والرحمة والبعد عن الشر،قائلاً: “لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضًا.”، ويقصد بمقاومة الشر ما يتعرض له الإنسان من شر أو إيذاء منالآخرين؛وهٰذا ما دعاإليه الرسل: “لا يغلِبَنّك الشر بل اغلب الشر بالخير.”، وما رأيناه في حياة الشهداء الذين ضحوابحياتهممن أجل إيمانهم،حين امتلأت حياتهم بالوداعة، حتى مع مضطهديهم فكانوا يصلون من أجلهم! ويقول القديس “يوحنا الذهبيّ الفم”: “أفضل وسيلة تتخلص فيها من عدوك هي أن تحوّل هذا العدو إلى صديق.”؛ وهٰذا التحول لا يأتي إلا بالمحبة والوداعة.
متواضع
لقد دخل “السيد المسيح”أورُشليم،متواضعًا راكبًا على حِمار وعلى جحش ابن أتان، وهٰكذا كانت كل حياته منذ ولادتهبمذود للبقر، وعمله نجارًا بسيطًا، ثم خدمته وتَجواله بين المدن من أجل خلاص البشر دون أن يكون له أين يسند رأسه!
كل عام وجميعكم بخير، و… والحديث عن “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ