أهنئ المِصريِّين جميعًا بـأعياد “القيامة” و”شم النسيم” و”تحرير سيناء”؛ حيث تتلاحم أعياد بلادنا الحبيبة في حِضنها الرحب الذي يضمنا جميعنا شعبًا واحدًا وقلبًا واحدًا، نعمل من أجل بنائها في محبة وود، مصلين أن يحفظها من كل شر.
و”عيد القيامة المجيد”، الذي احتفل به مَسيحيو الشرق الأحد الماضي، يضع أمام أعيننا دائمًا تلك الحياة الخالدة التي سوف يحياها كل إنسان؛ فالموت ليس هو النهاية بل هو فقط البداية لحياة لن تنتهي. وحياتنا هنا على الأرض تحدد نوعية الحياة الأبدية؛ فمن اختار أن يعيش المحبة والخير والعطاء لكل إنسان، متمثلاً بالله الذي يشرق شمسه ويهب خيراته للبشر جميعًا ـ الأبرارأو الأشرار، حتمًا سوف يحصد السعادة والفرح الأبديَّين. أمّا من اختار الضغينة والشر والحقد، فقد عاش حياته على الأرض معذَّبًا، وسوف يستكملها في القيامة في حزن وشقاء أبديَّين. لهٰذا، فمع حلول “عيد القيامة” سنويًّا، علينا أن نسأل: أين نحن من الحياة الأبدية؟ أنسعى للاستعداد لها، أم تجذبنا تيارات العالم نحو الهُوة العظيمة؟! من هو حكيم يعمل لأجل سعادة تلك الحياة، ويضعها على رأس قائمة أولوياته.
إن “القيامة” والحياة الأبدية حقيقتان لا مفر منهما مهما بدت محاولات إنكارهما، كما إنكار وجود الله من قبلهما.فإن من ينكر وجود الله، هو كمن يصر على إنكار الشمس!! ولا شك أن الكون كله يترنم بقدرة الله الفائقة وبعظمته، وجميع المخلوقات تقدم إلينا مشهدًا بالغ الاتساع ناطقًابحكمته ـ تبارك اسمه ـ التي لم يتمكن العقل البشري ولن يستطيع الوصول لفَهمها فهمًا كاملاً. وقد وصف “الكِتاب” رافضي الله بالجهال: “قال الجاهل في قلبه: ليس إلٰه”؛ وعلى الرغم من عدم قدرة هٰؤلاء على رفض حتمية الموت، فإنهم يُصرون على المضي نحو الانغماس في الظلمة؛ وتتجلى مأساتهم عند عبورهم جسر الموت ليكتشفوا أنهم خدعوا ذواتهم. وهنا أتذكر قول سير “فرنسيس نيوبرت”، رئيس نادي الملحدين البريطانيين، لمن حول سريره قُبيل موته: “لا تقولوا لي: لا يوجد إلٰه؛ فأنا الآن في حضرته. ولا تقولوا لي:لا توجد جَهنم؛ فأنا الآن أشعر بأني أنزلق فيها تعِسًا!!!”؛ وقد ذكرت ممرضة الفيلسوف الفرنسيّالملحد “ڤولتير”: “وإن أعطوني كل مال «أوروبا»، أرفض أن أري ملحدًا آخر يموت!! كان يبكي طوال الليل ويطلب المغفرة!!!”.
وفي المقابل،نرى من آمن بالله وبالحياة الأبدية لا يفزع من الموت؛ فنرى “بولس الرسول” وهو يعلن غلبة الموت بقيامة السيد المسيح: “أين شوكتك، يا موت؟ أين غلبتكِ، يا هاوية؟”، بل حسِب الموت ربحًا: “لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح … لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا.”،كما عَدَّه القديس “يوحنا الذهبيّ الفم” بطريرك القسطنطينية انتقالاً إلى الأفضل، فيقول: “إن الموت بالنسبة إلى أولٰئك الذين عاشوا حياة الفضيلة هو انتقال، ورحلة إلى مكان أفضل وحياة أرقى، وطريق يقود إلى الأكاليل التي يمنحها الله.”، وهٰكذا يجب أن نضع أمام أعيننا “القيامة” لتذكرنا بحياة لانهائية تنتظرنا بأمجادها، كما يوصي القديس “يوحنا الذهبيّ الفم”: “فلنفتكر دائمًا في القيامة العامة, وأن هناك يومًا مرهوبًا, ينتظر الكل. وإن رأيت أخًا يتمسك بثروات العالم، فوجِّه نظره إلي أمجاد السماء، لينقُلها إلى هناك بعمل الخير. وإن رأيت حزينًاأو قلِقًا، فعرِّفه بأن لأحزانه نهاية، لأن الرب وعد بأن يمسح كل دمعة من عيوننا هناك.وإن رأيت من يتكاسل أو يتهاون في حفظ الوصايا، فحذِّره بأن تهاونه سيقوده إلى الهلاك، واطلب منه الجهاد مع النعمة، والحرص بشدة على خلاص نفسه وغيره.”.
كل عام وجميعكم بخير،و… والحديث عن “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ