التهنئة إلى المِصريين قيادةً وشعبًا، والأمتين العربية والإسلامية بـ«عيد الفطر»، راجيًا لكم جميعًا كل خير وسلام، ونصلى جميعًا من أجل أن يحفظ الله بلادنا «مِصر» من كل شر، ويبارك كل عمل من أجل رفعتها وريادتها.
يأتى «عيد الفطر» هذا العام وسط احتفالات أقباط مصر بـ«عيد القيامة»، واحتفالات الربيع وتحرير سيناء، فالمِصريون جميعًا يتشاركون الاحتفالات بمناسبات دينية وقومية معًا، مؤكدين فكر التعايش المشترك بين أبناء الشعب الواحد، والتشارك فى الأفراح والاحتفالات معًا.
وعلى مر تاريخ «مِصر» الممتد آلاف السنوات، لا نرى سوى تلك الروح المُحبة التى تجمع المِصريين جميعًا. فمن ومضات المحبة التى كللت صفحات التاريخ، نرى الاحتفال العظيم الذى كان بـ«مِصر» منذ أيام فراعنتها، وهو الاحتفال بـ«شم النسيم»، إذ ترجع بدايته إلى قرابة خمسة آلاف عام، ويرمز هذا العيد عند قدماء المِصريين إلى بعث الحياة أو بَدء خلق العالم بحسب معتقداتهم، حيث كان الاحتفال به رسميًا مهيبًا فى ليلته، ومع إشراقة اليوم التالى يحتفل الشعب بأسره بالخروج إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، ويتناولون أطعمة خاصة بالعيد: البيض، والفسيخ، والخس، والبصل، والملانة. وهكذا ظل المِصريون جميعًا محافظين معًا على ذلك الاحتفال الشعبى المهيب، لا تستطيع التفريق فيه بين مسلم ومَسيحى.
أيضًا من الاحتفالات المِصرية الوطنية التى نتشارك فيها، عيد «تحرير سيناء»، بعد معاهدة كامب ديڤيد فى 26/3/17979م وعودة الأراضى المصرية إلى أصحابها، ورفع العلم المِصرى على أرض سيناء الحبيبة فى 25/4/1982م بعد استردادها. إن كل ذرة من تراب «مِصر» لغالية على كل مِصرى، فكان لابد من استرداد «سيناء» الأرض المِصرية الغالية على قلب كل مِصرى. إن «سيناء» على مر العُصور والأزمان تحظى بمكانة متميزة فى أعماق المِصريين، فهى الأرض التى نالت بركات كثيرة بعبور رجال الله عليها إلى «مِصر»، فصارت جزءًا غاليًا لم يَضَنّ المِصريُّون بتقديم أرواحهم فداء لترابها. ولم يكُن الاهتمام بـ«سيناء» مِصريًّا فحسْب، لكنها دائمًا ما تكون محط اهتمام دُول العالم، ولا نجد بلدًا أو مدينة فى العالم بأسره خصها الله بشهرة فى التاريخ الإنسانى كـ«سيناء»! الأرض التى تحوى أكبر المعالم الأثرية الدينية التى لم يعرفها بلد آخر فى العالم، ومنها: «جبل موسى»، و«جبل سانت كاترين» حيث العُلَّيقة المشتعلة التى رآها «موسى النبى»، و«مسجد الحاكم بأمر الله»، و«الوادى المقدس»، وغيرها.
أما شهر «رمضان» فله مشاعر خاصة لدى المِصريين جميعًا، مسلمين ومسيحيين، فنرى احتفال المَسيحيين مع إخوتهم المسلمين دون تفريق، فتراهم يتشاركون فى مظاهر الاحتفال من تزيين للشوارع، وتنظيم موائد الإفطار، وتناول الأطعمة المميزة لهذا الشهر من قطائف وكنافة وغيرها. وترى ارتباطًا وثيقًا بين أبناء الوطن الواحد حين ترى الجميع يجلسون إلى موائد الإفطار، يتشاركون الطعام والحديث فى ألفة وود عميقين. ولايزال التاريخ يحمل ذكرى تلك الموائد الرمضانية التى كانت تقام فى كل من «المقر البابوى» بالعباسية و«الأزهر» و«وِزارة الأوقاف»، جامعةً مثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث» وفضيلة الإمام الأكبر ووزير الأوقاف، ومن ثَم بين المسلمين والمَسيحيِّين فى الوطن، مقدِّمةً أحد مشاهد تلاحم الشعب المِصرى فى الاحتفالات والمناسبات بصفته عائلة واحدة يضمها الوطن الواحد. كذلك اشتُهر شهر «رمضان» بـ«موائد الرحمن» التى تدعو الجميع إلى المشاركة فى الإفطار، فيتشارك المِصريُّون جميعًا طعامهم كأسرة واحدة فى محبة ووئام. ولأن الصوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا جدًا بأعمال الرحمة والعطاء، لذا يسارع الجميع إلى مشاركة أى شخص فى سد جوعه، كعمل محبة مقدم إلى الله قبل إخوته فى الإنسانية.
إن تلك المشاهد المتسامحة المتشاركة لا تعبر إلا عن قيم الأديان الصحيحة التى تدعو إلى المحبة والتسامح وصنع السلام مع الجميع، إضافة إلى احترام شعور الآخرين ومقدساتهم. وإن كان بعضٌ يحاول تشويه الحقائق بجعل مفهوم الاحترام والتشارك فى الأفراح نوعًا من تبنى تلك العقائد والإيمانيات – وهذا أمر غير صحيح – فإن الود والمحبة والإخاء نحو كل إنسان هو جوهر الإنسانية التى خلقنا عليها الله، ففى نهاية الأمر نحن جميعًا إخوة لأب واحد هو «آدم» وأم واحدة هى «حواء». وعلينا أن ندرك أن تماسك العائلة الواحدة هو أساس استمرارها واستقرارها. وكما يذكر الكتاب: «فرَحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين»، وهو بذرة المحبة التى تجمع البشر جميعًا.
كل عام وجميعنا بخير فى مشاركة احتفالات بلادنا وأعيادها، و… والحديث عن «مصر الحلوة» لا ينتهى!.