تحدثت مقالة سابقة عن “العاضد بالله” آخر الخلفاء الفاطميين بـ”مصر”،وعن “شاوَر”والي الصعيد الذي هزم “رُزِّيك بن طلائع”وقتله وصار من بعده وزيرًا “للعاضد”، إلا أنه أساء الحكم حتى ساءت أحوال البلاد. وقد ثار على “شاوَر” شخص يُدعى “أبا الأشبال ضِرغام بن عامر”، فتقاتل الاثنان حتى انتصر”ضِرغام” وقُتل ابن “شاوَر” الأكبر؛ فهرب “شاوَر” إلى “الشام” مستنجدًا بالسلطان الملك العادل “نور الدين محمود بن زَنْكي”؛ فأرسل الجنود إلى “مِصر” مع الأمير “أسد الدين شِيرِكُوه بن شادي التركيّ” الذي اصطحب ابن أخيه “صلاح الدين بن أيوب” وقتل “ضِرغام”. واستعاد “شاوَر” سطوته على “القاهرة”مرة أخرى، لٰكنه أرسل إلى “الفرنج” يدعوهم إلى “مِصر” لمحاربة “شِيرِكُوه” مقابل المال!فوقعت حروب شديدة بين الفريقينانتهت بالمصالحة، وعاد “أسد الدين شِيرِكُوه” إلى “الشام”.استمر “شاوَر”مستبدًا بحكم البلاد، فاستنجد “العاضد” بالملك “نور الدين” على “شاوَر”؛ فأرسل “أسدَ الدين شِيرِكُوه” ثانيةً إلى “مِصر” ومعه “صلاح الدين بن أيوب”، وقاتلا “شاوَر” و”الفرنج”،وانتهت المعارك بالمصالحة وعودة “أسد الدين” إلى “الشام” مصطحبًا “صلاح الدين”، معتذرًا إلى الملك “نور الدين” بكثرة “الفرنج” و”المال”!
وقد ازدادت الأمور سوءًا بـ”مِصر”؛ فقد طالب الفرنج “شاوَر” أن يسمح بتمركز فرسانهم بالقاهرة، وأن يتحكموا في أبوابها، إلى جانب دفع مئة ألف دينار كل عام، فأجابهم إلى ما طلبوا دون أن يخبر “العاضد” بما أبرمه من معاهدات معهم. وفي سنة 564هـ (1169م)، عاد الفرنج إلى “مِصر” في محاولة للاستيلاء عليها. فجاؤوا من الساحل حتى وصلوا إلى مدينة “بلبيس”؛ ويذكر “ابن الأثير”: “وَجَدَّ الفرنج في السير إلى «مِصر»، فقدِموها، ونازلوا (قاتلوا) مدينة «بلبيس»، وملكوها قهرًا، مستهل (شهر) «صفر»، ونهبوها، وقتلوا فيها وأسروا …”، ثم توجهوا إلى “مِصر”وحاصروها،لٰكنأفراد الشعب قاوموهم خَشية أن يحدث بهم ما كان لأهل “بلبيس”. ويستكمل “ابن الأثير”، مشيرًا إلى إحراق “مِصر”: “وأمر «شاوَر» بإحراق مدينة «مِصر»، تاسع «صَفَر»، وأمر أهلها بالانتقال منها إلى «القاهرة»، وأن يُنهب البلد. فانتقلوا وبقوا على الطرق، ونُهبت المدينة، وافتقر أهلها، وذهبت أموالهم ونعمتهم قبل نزول الفرنج عليهم بيوم، خوفًا أن يملكها الفرنج. فبقِيت النار تحرقها أربعة وخمسين يومًا، وأرسل الخليفة «العاضد» إلى «نور الدين» يستغيث به …”، فأرسل “نور الدين” الجيوش بقيادة “أسد الدين”؛ فيذكر “ابن تَغْرِي”: “وكان الفرنج، لما وصلوا إلى «مِصر» في المرتين الأوليين،(أن) اطلعوا على عوراتها وطمِعوا فيها؛ وعلِم «نور الدين»بذٰلك، فأسرع بتجهيز العساكر خوفًا على «مِصر»، ثم جاءته كتب «شاوَر» و«العاضد»؛ فقال «نور الدين» لـ«أسد الدين شِيرِكُوه»: خذ العساكر وتوجه إليها؛ وقال لـ«صلاح الدين»: اخرج مع عمك «أسد الدين»؛ فامتنع وقال: يا مولاي، يكفي ما لقِينا من الشدائد في تلك المرة. فقال «نور الدين»: لابد من خرجوك؛ فما أمكنه مخالفة مخدومه «نور الدين» …”. أما الفرنج، فحين وصلتهم أخبار قدوم الجيوش، رجعوا عن “مِصر” متجهين إلى الساحل. أما “أسد الدين”، فنزل بجيوشه على باب “القاهرة”، فاستدعاه الخليفة “العاضد” وأقامه وزيرًا للبلاد ولقبه بـ”المنصور” ـ وبعض المؤرخين ذكروا أن “العاضد” لم يستدعِه، بل أرسل إليه أمر إقامته وزيرًا مع الأموال وغيرها. أما “شاوَر”، فقد أرسل إلى الفرنج مستنجدًا بهم، وطلب إليهم أن يحضروا إلى “دِمياط” عن طريقي البر والبحر؛ فبلغ ذٰلك الأمر أعيان البلاد فأخبروا “أسد الدين”؛ ويستكمل “ابنتَغْرِي”: “ثم إن «شاوَر» خاف لما تأخر وصول الفرنج، فعمِل في عمل دعوة لـ«أسد الدين» المذكور ولأمرائه، ويقبض عليهم. فنهاه ابنه «الكامل» … وكان «شاوَر» قد شرط لـ«أسد الدين شِيرِكُوه» ثلث أموال البلاد؛ فأرسل «أسد الدين» يطلب منه المال؛ فجعل «شاوَر» يتعلل ويماطل وينتظر وصول الفرنج؛ فابتدره «أسد الدين» وقتله.”. وهٰكذا تولى “أسد الدين” أمور البلاد مدة شهرين، ثم مات، وقيل إنه وهو يُحتضر أوصى بالوَزارة لابن أخيه “صلاح الدين يوسف بن أيوب” (“صلاح الدين الأيوبيّ”)؛ وبالفعل تولى الوَزارة من بعده ولُقب بـ”الملك “الناصر” و… والحديث عن “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ