بدأ الحديث في المقالة السابقة عن “البابا يوحنا الخامس”، الثاني والسبعين في بطاركة الإسكندرية، والإجماع على اختياره، وأنه عاصر الوزير “رِضوان بن وَلَخْشِي” أيام الخليفة “الحافظ” وتولي الخليفة “الظافر” والوزير “العادل بن السَّلّار”.
وحدث في تلك الأيام أن ملك الحبشة أرسل يطلب رسامة مِطران لبلاده على الرغم من وجود مطران بها يسمى “أنبا ميخائيل”؛ وذٰلك بسبب خلاف نشببين الملك الذي انتزع الملك بدون وجه حق والأب المِطران، فيذكر لنا “أنبا ساويرس ابن المقفع”: “فلما جرى بينه وبين الملك كلام، تغير عليه وكتب يطلب غيره؛ وسبب ذٰلك أن الملك كان قد تغلب على المملكة بغير حق، فوبخه المطران. وأنفذ (الملك) كتابًا إلى السلطان، وكان في ذٰلك الوقت «العادل بن السَّلّار» وزيرًا، وكتابًا أيضًا إلى البطرك يطلب مِطرانًا غيره – وهو بالحياة لم يمُت”. أما الأب البطريرك، فقد أبى، موضحًا للوزير أنه في الشريعة المسيحية لا يُرسم مطران لمدينة أو بلدة ما يزال مطرانها حيًّا، بل بعد موته فقط يُرسم مطران آخر؛ فغضِب “العادل بن السَّلّار” على الأب البطريرك وأمر باعتقاله في سجن دار الوِزارة. وقد قاسى البابا “يوحنا الخامس” ضيقًا شديدًا في ذٰلك السجن وظل حبيسًا حتى قتل الوزير “العادل”.
كذٰلك عاصر “البابا يوحنا الخامس” حادثة قتل الخليفة “الظافر” وخلافة “الفائزبدين الله”، ووَزارة “طلائع بن رُزِّيْك” الذي في أيامه سعى “أنبا مقارة” أسقف سمنود بالوشاية لدى الأب البطريرك، في بعض آباء رهبان من “دير أبو مقار”، مقيمين مع أب روحي لهم يُدعى “سلمون”؛ فتغير الأب البطريرك على أولٰئك الآباء الرهبان، ووصلت المنازعات إلى الوزير الذي جمع المشتكين جميعًا لديه لمناقشة الأمر؛وهناك حدثت منازعات انتهت بإخراج الأب البطريرك من المجلس، ثم أمر باعتقاله، مشددًاأوامره على الأساقفة فنالتهم شدائد كثيرة. ويذكر كاتب سيرة الأب البطريرك أن الله -تبارك اسمه- أظهر أعجوبة شهِد بها من كانوا مع الأب البطريرك في الاعتقال، فيقول: “ٰوذٰلك أنه (البابا البطريرك) كان ملازم الصوم والصلاة والطلبة إلى الله كجري عادته، وأنه في ليلة من الليالي غفا ونام، ثم قال لمن حوله من الناس: تقوَّوا بالله، وافرحوا! فإنه بعد أيام يسيرة يفرج الله عني وعنكم.” وقد تحقق كلام البابا “يوحنا الخامس” إذ تعرض الوزير لمحاولة اغتيال بعد أربعة عشر يومًا، وحُمل مجروحًا إلى داره ثم مات. ثم أمر ابنه “مجد الإسلام” بإطلاق سراح الأب البطريرك وكل من معه في السجن، وكذٰلك فُكت ضيقة الأساقفة من الغرامات التي فُرضت عليهم.
وحدث أنه بعد وفاة الخليفة “الفائز”، أن تولى الخليفة “العاضد لدين الله”، واستوزر له “رُزِّيْك بنطلائع”، إلى أن انتزع “شاوَر بن مُجِير السَّعْديّ” الوزارة، ثم هروبه إلى “دمشق” طلبًا لمعونة الملك العادل “نور الدين”، وإرسال “شِيرِكُوه” وابن أخيه “صلاح الدين”.
كذٰلك شهِدت أيام “البابا يوحنا الخامس” كثيرًا من المتاعب التي تعرض لها أقباط “مِصر”.ثم هدأت الأمور، فاهتم كبار الأقباط بعمارة ما تهدم من الكنائس، وكان ما يزال “أسد الدين شِيرِكُوه” بمصر، فأرسل “الوزير شاوَر” إلى ملك الفرنج ليعينه على “شِيرِكُوه” الذي رحل إلى الصَّعيد؛ فأدركته قوات الفرنج وشاور، وتقاتل الجانبان قتالًا عنيفًا قُتل وأُسر فيه كثير منهما. ثم تحصن “شِيرِكُوه” بالإسكندرية إلى أن عاد إلى “القاهرة” ليأخذها. وبعد أحداث كثيرة أرسل “شاوَر” المال إلى “شِيرِكُوه” وعاد إلى بلاده (وقد تناولت مقالات سابقة تلك الأحداث باستفاضة).
وقد تنيح “البابا يوحنا الخامس” سنة 1167م، ودُفن بكنيسة الشهيد مِرقوريوس إلى جوار جسد أنبا “غبريال الثاني” البطريرك السابق. وذُكر أنه قد تحدث بعضٌ إلى “البابا يوحنا الخامس” قبل موته في أمر نقل جسد “البابا غبريال الثاني” إلى “دير القديس مقاريوس الكبير” بوادي النطرون، فأجابهم أنه سيأتي من ينقُل جسده وجسد “البابا غبريال”معًا – وقد تحقق هٰذا الأمر في عهد البطريرك التالي له “البابا مرقس ابن زرعة”. و… والحديث في “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ