أود أن أهنئكم جميعًا ببدء صوم السيدة العذراء، الذي بدأ قبل أيام قليلة. وصوم السيدة العذراء يُعد من الاحتفالات المِصرية التي يتشارك فيها المِصريون جميعًا، إذ تمتلئ قلوبهم بمحبة خاصة جدًّا نحو السيدة العذراء التي أجلتها الأديان ورفعتها على مدى العصور والأزمان؛ تحقيقًا لنبوَّتها الخالدة: “هُوَذَا مُنْذُ ٱلْآنَ جَمِيعُ ٱلْأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي”. وقد أعلنت الأديان كرامة السيدة العذراء؛ فيذكر الكتاب ما قيل لها من الملاك جَبرائيل المبشر: “ٱَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ … قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللهِ.”، وأيضًا تطويب نسيبتها “أليصابات” والدة النبيّ “يوحنا المَعمَدان” إياها: “طُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ!”. وفي القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَالَمِينَ﴾.
يبدأ صوم السيدة العذراء في السابع من أغسطس، ومدته خمسة عشر يومًا، تنتهي بعيدها في الثاني والعشرين من أُغسطس. وكما ذكرت مقالات سابقة، فإن الاحتفال بالسيدة العذراء يرتبط بنياحتها، إذ أظهر الله إكرامه لجسدها الطاهر حين حملته الملائكة إلى السماء بعد نياحتها. ففي الحادي والعشرين من طوبة (الثلاثين من يناير) تنيحت السيدة العذراء، وحضر الآباء التلاميذ الرسل مراسم دفنها عدا التلميذ “توما الرسول” الذي كان في إحدى رحلاته التبشيرية بالهند. وبعد انتهائه من رحلته التبشيرية، وبينما هو عائد، سمح الله له أن يشاهد الملائكة حاملةً جسد السيدة العذراء إلى السماء! وحين وصل إلى الآباء الرسل، سألهم عن السيدة العذراء، فأخبروه بنياحتها، فطلب أن يرى قبرها. فلما ذهبوا وجدوا تابوتها فارغًا!! فأخبرهم بذٰلك المنظر العجيب الذي شاهده؛ فقدَّم الآباء الرسل صومًا إلى الله من أجل أن يسمح لهم برؤية جسد السيدة العذراء مرة أخرى، وقد استجاب الله لهم في السادس عشَر من مسرى (الثاني والعشرين من أغسطس)؛ ليصبح من أعياد السيدة العذراء.
ويحتفل الأقباط بأعياد كثيرة للسيدة العذراء، منها:
عيد البشارة بميلادها
أرسل الله رئيس الملائكة جَبرائيل إلى “يواقيم” البار أباها، معلنًا له أن الله سيهب له نسلاً يكون سببًا لفرح وسرور للعالم أجمع. وكان “يواقيم” البار وزوجته البارة “حَنَّة” قد تقدما في أيامهما ولم يُرزقا طفلاً إذ كانت “حَنَّة” عاقرًا، فرفع كلاهما صلواتهما وطلبتهما إلى الله، ونذَرا أن يقدما الطفل إلى الهيكل؛ فجاءت البشارة بميلاد السيدة العذراء، الذي وافق السابع من مسرى (الثالث عشَر من أغسطس).
عيد ميلادها
السيدةالعذراء وُلدت في بلاد اليهودية، من سبط يهوذا، من بيت داود. ولما جاء ملء الزمان المعيَّن من الله، أرسل ملاك الرب وبشر “يواقيم” البار والدها حينما كان قائمًا في الجبل يصلي، بقوله: إن الرب يعطيك نسلاً يكون منه خلاص العالم؛ وقد تحقق ذٰلك الوعد، وتعيد له الكنيسة في أول بشنس (التاسع من مايو).
عيد دخولها الهيكل
في ذٰلك اليوم، قُدمت القديسة “مريم”، وهي ما تزال في الثالثة، إلى الهيكل في أورُشليم بدار العذارى؛ لتتعبد في الهيكل وتخدُمه إذ كانت نذرًا لله. وتعيد له الكنيسة في الثالث من كيهك (الثاني عشَر من ديسمبر).
عيد مجيئها “مِصر”
عيد تتميز به “مِصر”عن سائر بلاد العالم: حين حضرت السيدة العذراء إليها، حاملة السيد المسيح وهو طفل، يصطحبهما القديس “يوسف النجار”؛ فأقامت في رُبوعها قرابة ثلاثة أعوام ونصف العام. وتعيد له الكنيسة في الرابع والعشرين من بشنس (أول يونيو).
عيد تجليها بالزيتون
في الثاني من إبريل 1968م (الرابع والعشرين من برمهات)، بدأت تجلياتهاعلى قباب كنيستها بالزيتون، واستمرت ظهوراتها سنوات شاهدها فيها مئات آلاف من البشر من كل أنحاء العالم، معلنةً محبة السيدة العذراء الخاصة بـ”مِصر” وشعبها.
كل عام وجميعكم بخير، مصلين إلى الله أن يحفظ “مِصر” من كل شر، ببركة شفاعات القديسة السيدة العذراء.و… والحديثفي “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ