“للسيدة العذراء مكانة كبيرة في قلوب المصريين جميعًا – مسلميها ومسيحييها”، كلمات بدأت بها إحدى رسائل القراء التي وصلتني تعليقًا على مقالة الأسبوع الماضي “السيدة العذراء مريم”. نعم حقًّا، إن للسيدة العذراء – أو كما يطلق عليها إخوتنا المسلمون: “ستنا مريم” – مكانة عظيمة لم تنَلها ولن تبلُغها أية امرأة أخرى في التاريخ الإنسانيّ؛ واستحقت أن تطوبها جميع الأجيالكما نطق بهٰذا الوحي الإلٰهيّ على لسانها: “هُوَذَا مُنْذُ ٱلْآنَ جَمِيعُ ٱلْأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي”؛ ولذا فلْنكمل حديث اليوم عن كرامة السيدة العذراء.
تحدث الكتاب عن “السيدة العذراء” قديمًا، من خلال نبوات الأنبياء الذين أشاروا إلى كرامتها العظيمة، فذكر عنها “سليمان الحكيم” في سفر “الأمثال”:“بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعـًا”. وفي العهد الجديد، نرى تلك الكرامة من حديث رئيس الملائكة “جبرائيل” إليها، عندما أُرسِل إليها وهي في مدينة “الناصرة”، ليُعلن رسالة الله إليها ويبشرها أنها ستحبَل بالسيد المسيح؛ فقد بدأ الملاك حديثه إليها بتقديم التحية والسلام إليها، معلنـًا: “مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ”. لٰكنها اضطربت من تحيته! فأسرع بقوله: “لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ”. وفي القرآن إجلالكبير للسيدة العذراء؛فهي المرأة الوحيدة التي به سورة باسمها هي “سورة مريم”، وقال عنها في “سورة آل عمران”: ﴿وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللّهَ ٱصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآء ٱلْعَالَمِينَ﴾.
أما عن ميلاد السيد المسيح منها بطريقة معجزية لم تحدث في التاريخ، فقد تنبأ “إشَعْياء النبيّ” أنها تلد ابنًا: “يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»”، ووصفها “حَزْقِيال النبيّ” بالباب المغْلَق: “فَقَالَ لِيَ ٱلرَّبُّ: «هٰذَا ٱلْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لَا يُفْتَحُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا …”؛ وهو يعني استمرار بَتولية السيدة العذراء بعد أن ولدت ابنها السيد المسيح. وذُكر عنها في سفر “إشَعَياء النبيّ”: “هُوَذَا ٱلرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.”، فما كانت هٰذه السحابة إلا السيدة العذراء،وهيحاملة ابنها، هاربة به من وجه من يريد قتله. وفي بشارة رئيس الملائكة”جبرائيل” إليها: “وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ.”؛ وقد تساءلت السيدة العذراء عن ذلك: “كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟”. فأجابها الملاك: “«اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضًا ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللهِ …”. وخضعت السيدة العذراء لمشيئة الله قائلة: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ.”. وفي القرآن، تتحدث سورة “آل عمران” عن تبشير الملائكة للعذراء مريم بأن الله سيهب لها ابنًا: ﴿إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ﴾؛ وحين تساءلت عن هٰذا الأمر وهي ما تزال عذراء، أخبرتها الملائكة بأن هذا أمر اللهالذي يخلق ما يشاء: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌقَالَ كَذَٰلِكِ ٱللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾. وعن طهارتها وعدم قدرة الشيطان أن يمَسها هي وابنها ما جاء في “صحيح مسلم”: “كُلُّ بَنِي آدَمَ يَمَسُّهُ ٱلشَّيْطانُ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إِلَّا مَرْيَمَ وَٱبْنَها.”. والسيدة العذراءهي الوحيدة التي حبِلت وولدت وهي ما تزال عذراء!!! وتلك معجزة من الله؛ ففي “سورة التحريم”: ﴿وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيٓ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ﴾.
لقد نالت السيدة العذراء إجلالاً عظيمًا بين البشر، و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ