No Result
View All Result
أود أن أهنئكم بعيد السيدة العذراء الذي احتفلنا به يوم الإثنين الماضي. وقد تحدثت المقالة السابقة عن كرامة السيدة العذراء التي تنبأ عنها الكتاب وأجَلَّها القرآن، وعن الميلاد المعجزيّ للمسيح منها دون زرع بشر، هٰذا الميلاد العجيب الذي لم يكُن في التاريخ البشريّ. لقد نالت السيدة العذراء كرامة عظيمة بين البشر من أجل السيد المسيح المولود منها؛ فقد قيل عنه في الكتاب: “لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبنًا وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيبًا مُشِيرًا إِلٰهًا قَدِيرًا أَبًا أَبَدِيًّا رَئِيسَ السَّلاَمِ”. وفي بشارة رئيس الملائكة إلىالسيدة العذراء: “وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ.”. وفي القرآن، ذُكر عن السيد المسيح أنه كلمة من الله: ﴿إذْ قَالَتِ ٱلْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ﴾، وأيضًا في سورة النساء: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَآ إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ).
وقد اتسم السيد المسيح بسماتعجيبة: منها قدرته في شفاء الأمراض،وإخراجالشياطين، وإقامة الموتى، والخلق: “وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ ٱلْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي ٱلشَّعْب.”، وأيضًا: “ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ ٱلنَّعْشَ، فَوَقَفَ ٱلْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!». فَجَلَسَ ٱلْمَيْتُ وَٱبْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ.”. وفي القرآن، نقرأ في سورة آل عمران: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ ٱللهِ وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ وَأُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾؛ فهو ذو قدرات في الشفاء والخلق وإقامة الموتى ومعرفة الغيب،وكذٰلك قيل فيه: ﴿وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ﴾؛مما يدل على علُو مقامه علُوًّا لم يُذكر عن غيره.
وصارت للسيدة العذراء محبة كبيرة ودالة عظيمة في قلوب البشر. وأتذكر قصة القاضية اللبنانية “چوسلين متى” التي نظرت في قضية ثلاثة شبان أعمارهم بين 16 و18 عامًا، أساؤوا إلى السيدة العذراء، وجاء حكم القاضية فريدًا في نوعه: إذ قضت بحفظهم آيات من سورة “آل عمران” حتى تحكم بإطلاق سراحهم ليتعلموا التسامح بين الأديان، واحترام الآخر بمعتقداته وانتماءاته! وبالفعل أُطلق سراح الشبان بعد أن تيقنت القاضية من حفظهم للآيات القرآنية.
وحين نتأمل حياة “السيدة العذراء”، يغمرنا نور ملء فضائلها التي يندر أن تجتمع في حياة إنسان واحد؛ فهي من امتلأت نعمة بسبب قداستها، وعُرفت بكامل الوداعة والاحتمال، والتواضعالشديد،والحرص على خدمةالكل. واليوم، يقودنا فيض فضائلها إلى الحديث عن وداعتها.
امتلأت حياة السيدة العذراء بالوداعة،ووداعتها تحوي في داخلها فيضًايصعب حصره من الفضائل الأخرى: فالشخص الوديع يتسم بالتواضع، وبالمحبة التي تحُثه على الخدمة، كما أنه شخص شديد الاحتمال والهدوء، ولا يتحدث كثيرًا مع البشر. وتلك فضائل تتجلى في حياة السيدة العذراء، التي ارتفعت في تواضعها فصارت أمًّا للسيد المسيح، بل زادها هذا الأمر تواضعًا!! إذ أجابت جَبرائيل رئيس الملائكة: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ”. ومن المواقف التي نرى فيها وداعة “السيدة العذراء” خدمتها بالهيكل في أثناء طفولتها بكل خضوع ودون تذمر، وأيضًا في أثناء هرب “العائلة المقدسة” إلى “مِصر”، فقد احتملت ما يفوق طاقة البشر من مواقف الرفض والطرد، لٰكنها في وداعتها احتملت دون تأفف أو ضجر.وتتلألأ وداعة السيدة العذراء في خدمتها: فهي التي أسرعت تسلك الطرق الوعرة على الجبال،إلى “أليصابات” نسيبتها أثناء حبلها بـ”يوحنا المَعمَدان” من أجل خدمتها؛ ولم تتوقف الخدمة في حياتها قط. إنها قلب أحب الله؛فلم ينشغل بأي أمر آخر سوى الحديث مع الله!
كل عام وجميعكم بخير. ونطلب إلى السيدة العذراء أن تتشفع عن بلادنا “مِصر” كي يحفظها الله من كل شر.و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

No Result
View All Result