No Result
View All Result
استكملت المقالة السابقة الحديث عن السلطان “صلاح الدين الأيوبيّ”ومعركته مع الفرنج في موقعة “حِطِّين”، وتحقيق الانتصارات عليهم فتسنى له فتح مدن الساحل، حتى تمكن من تسلم مدينة “بيت المقدس” سنة 583هـ (1187م).
ثم وجَّه “صلاح الدين” مقاصده نحو استعادة مدينة “صُور” فقصد أولاً قلعة “صَفَد” وحاصرها مدة امتدت إلى سبعة أشهر حتى نفِد الطعام من الحامية العسكرية للفرنج فاضطُروا إلى تسليمها. ويُذكر أنه حين غادر جنود الفرنج قلعة “صَفَد”، اتجهوا إلى مدينة “صُور” فتحصنت وقويت بتمركز عدد كبير من فرسانهم بها. ثم تمكن “صلاح الدين” من فتح “اللاذقية” وعدد من مدن “الشام” وقُراه: فتمكن من جَبَلة، وحصون صهيون، وبَكاس، والشُّغْر، وسرمينية، وبرزية، ودَرب ساك، والكَرَك، وكَوْكَب. أما “صور” فقد تمكنت من الصمود أمام حصار “صلاح الدين” مدة عام ما اضطره إلى فك حصارها؛ فيذكر “ابن تَغْري”: “ولما فتح «القدس» حسُن عنده (عند صلاح الدين) فتح «صور»، وعلِم أنه متى أخره عسُر عليه فتحه، فسار نحوها حتى أتى «عكا» فنزل عليها ونظر في أمورها، ثم رحل عنها متوجهًا إلى «صور» … فنزل قريبًا منها، وأرسل لإحضار آلات القتال حتى تكاملت عنده … وقاتل أهلها قتالاً شديدًا وضايقها، واستدعى أسطول «مِصر»، وكان السلطان يضايقها في البر والبحر. وخرج أسطول «صُور» في الليل فكبس (هجم على) أسطول المسلمين في البحر … وعظم ذٰلك على السلطان وضاق صدره، وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمراض وامتنع الناس من القتال لكثرة الأمطار، فجمع السلطان الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بالرحيل لتستريح الرجال، فرحل عنها …”.
إلا أن “عكا” التي فتحها “صلاح الدين” منقبل، ووضع عليها الأمير “بهاء الدين قراقوش”، تعرضت لحصار من جنود الفرنج عام 585هـ (1189م)؛ فحضر إليها “صلاح الدين” ليشدد من عزيمة جنودها وأهلها، ويُذكر أنه: “استدعى العساكر من كل ناحية … وتكاثر الفرنج واستفحل أمرهم، وأحاطوا بـ«عكا» ومنعوا من يدخل إليها ويخرج … فضاق صدر السلطان لذٰلك … وشاور الأمراء فاتفقوا على مضايقة العدو (الفرنج) لفتح الطريق، ففعلوا ذٰلك … ودخل السلطان «عكا» فأشرف على أمورها، ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام …”. ثم وصلت إلى الفرنج إمدادت من البحر فضايقوا جنود “صلاح الدين” حتى “غُلبوا عن حفظ البلد”، وكان ذٰلك عام 587هـ (1191م) في الحملة الثالث للفرنج التي قاد جيوشها “فيليب الثاني أغسطس” ملك فرنسا، و”ريتشارد قلب الأسد” ملك إنجلترا، و”فريدريك برباروسا” ملك ألمانيا الذي تعرض للغرق في “نهر اللامس” سنة 1190م. ثم توجه الفرنج إلى “أَرْسُوف” قاصدين “عَسْقَلان”؛ فوصل الأمر “صلاح الدين” فاجتمع بمستشاريه وتقرر إخراب “عسقلان” حتى ذُكر: “واجتهد السلطان وأولاده في خراب البلد كي لا يسمع العدو فيُسرع إليها، فلا يمكن إخرابه. وكانت الناس على أصعب حال، واشتد تعب الناس مما قاسوه في خرابها”. وقد فارق أهل البلد وطنهم وتشتتوا؛ فمنهم من قدِم إلى “مِصر”، ومنهم من توجه إلى “الشام”. كما أُخربت كل من “قلعة الرَّمْلة” و”قلعة المطرون” (وأيضًا تسمى: البطرون أو النطرون)؛ وفي ذٰلك الوقت سعى الفرنج نحو الصلح وطلبوا البلاد الساحلية، فمال “صلاح الدين” إلى ذٰلك الأمر إذ علِم ما يجتاح الناس والجند من الضجر من القتال، إلى جانب كثرة الديون بسبب الحروب؛ وعُقد الصلح سنة 588هـ (1192م) فيذكر “ابن تَغْري”: “ونادى المنادى بانتظام الصلح، وأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة، فمن شاء من كل طائفة أن يتردد على بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور. وكان يومًا مشهودًا نال الطائفتين فيه من السرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى …”. و… والحديث في “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

No Result
View All Result