تحدثت المقالة السابقة عن “البابا يوحنا السادس” (1189-1216م)،الرابع والسبعين في بطاركة الإسكندرية، الذي كان علمانيًّا ذا فضائل كثيرة وعلم غزير ولذا اتفقت الآراء جميعها على سيامته بطريركًا، كما تحدثتْ عن مطران الحبشة “كيلوس” الذي تسبب في قتل أحد القساوسة وهرب إلى “مِصر”، مدعيًا أن شقيق الملكة اغتصب الرئاسة منه، لٰكن كذبه كُشف وحكم المجمع بتجريده من رتبته. وقد سام البابا “يوحنا السادس” لبلاد الحبشة مِطرانًا وقَسًّا كانا شقيقين تقيين زاهدين أحدهما، ثم سارا إليها يصحبهما وفد حبشيّ من قبَل الملك بكرامة عظيمة.
وقد عُرف عن هذا الأب البطريرك تصديه لكل من يتعدى القانون الكنسيّ: فقد ذُكر عن أحد قساوسة “البشمور” أنه ترمل بعد وفاة زوجته وتزوج مرة ثانية، وهٰذا كسر لقانون الكهنوت، فمُنع في بلدته من ممارسة الخِدمات الدينية. ثم رحل ذٰلك القَس إلى “الإسكندرية”، وأخذ يقيم الصلوات بها إلى أن انكشف أمر تعديه. فأرسل الأب البطريرك إلى كنائس “الإسكندرية” بمنع ذلك القَس من ممارسة الصلوات الطقسية، وألا يسمحوا لغريب لا يعرفونه بإقامة الصلوات بكنائسهم.
كذٰلك تعرض البابا البطريرك لعدد من الحروب الداخلية: منها أن راهبًا شكاه إلى “الملك الكامل” أنه يحصل على أموال كثيرة من الأساقفة، وعادة أسلافه من الآباء البطاركة أن يقدموا أموالاً للصرف على الأسطول؛ فلما وصل الكلام إلى الملك “الكامل” عن طريق القاضي، قال: “يا قاضي، إن كان غيرنا ظالمًا، ما نكون نحن مثله. دَع هٰذا الراهب يمضي إلى ديره حتى نطلبه”؛ فمضى الراهب بخزي عظيم.
وقد عاصر البابا “يوحنا السادس” عددًا من الملوك: السلطان “صلاح الدين الأيوبيّ”، والملك “العزيز عثمان”، ثم ابنه الملك “الناصر يوسف”، وعمه الملك “الأفضل عليّ”، والملك “العادل”؛ مع كثير من الأحداث التي مرت بمصر.
وفي السنة الرابعة من حبرية البابا “يوحنا السادس” تُوفي السلطان “صلاح الدين الأيوبيّ” في “دمشق” ودُفن بها (كما مرسابقًا)، وحكم “مصر” من بعده الملك “العزيز عثمان”. وحدث غلاء القمح والحبوب القَطانيّ مثل العدس والفول في تلك الأيام؛ فيذكر أنبا “ساويرس ابن المقفع”: “فبلغ القمح: مئة وسبعون دينارًا المئة إردبّ، وكان السعر لا يثبت على حال واحد، بل يزيد عن هذه الجملة مدة أسبوع، ثم رجع ينقص. وكذٰلك سائر الحبوب: إردب بدينار، ودونه وجميع القَطانيّ يتضاعف أثمانها. وأقاموا الناس بديار «مِصر» مكابدين (مُقاسِين شدة) الضر ثلاث سنين”؛ هٰذا إلى جانب النزاع بين الملك “العزيز” والملك “الأفضل” – كما سيأتي في حينه. وسنة 594هـ (1197/1198م) كسر الفرنج الهدنة المعقودة بينهم وبين السلطان “صلاح الدين”، واتجهت مراكبهم إلى “عكا” والساحل، كما قدِم بعضهم إلى “مِصر”، كذلك تمكنوا من “قلعة تبنين” التي تقع جنوب “لبنان”، لٰكنهم لم يتمكنوا من الصمود أمام جيوش الملك “العادل” والملك “العزيز”؛ فرحلوا منها واستقروا حوالَي عدد من المدن كـ”صور” و”عكا” وغيرهما. وظلت الأمور هٰكذا حتى أُبرمت هدنة بين الطرفين مدتها ست سنوات.
وتُوفي الملك “العزيز” سنة 595هـ (1198م)، وملك من بعده ابنه “يوسف” ولُقب بلقب جَده “الناصر يوسف”، وكان لا يزال صغيرًا، فحضر الملك “الأفضل نور الدين عليّ” عمه ليتولى حكم “مِصر”. ثم صارت حروب بين الملك “الأفضل” وعمه الملك “العادل” لحكم “دمشق”، كما نشبت حروب بين الملك “العادل” والملك “الأفضل نور الدين” بـ”مِصر”، وانتصر جيش الملك “العادل”، وتمكن من دخول “القاهرة” سنة 596هـ (1200م)، وصار له حكم البلاد. وسنة1210م عاصر البابا “يوحنا السادس” قدوم حملة الفرنج على “دِمياط”، ونهبهم وقتلهم و أسرهم شعبه، و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ