“المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.”، أود أن أهنئكم جميعًا بـ”عيد الميلاد”، الذي يحتفل به مسيحيو الشرق بعد أيام قليلة، في السابع من يناير بحسب التقويم الميلاديّ (التاسع والعشرين من كيهك، وَفقًا للتقويم القبطيّ). ذلك الميلاد الذي تنبأ عنه الأنبياء قديمًا، فيذكر “إشعياء النبيّ” أن هٰذا الميلاد سوف يكون من عذراء: “ولٰكن يُعطيكم السيد نفسُه آيةً: ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه «عمانوئيل».” ؛ ومن المعلوم أن السيدة العذراء ولدت السيد المسيح دون زرع بشر: أي دون رجل. وتنبأ أيضًا الأنبياء عن مكان ميلاده أنه في “بيت لحم” اليهودية، فيقول “ميخا النبيّ”: “أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل.”؛ وهٰذا الأمر كان معلومًا لدى رؤساء الكهنة والكتبة، فحين أتى مجوس المشرق إلى أورُشليم متتبعين النَّجم، تساءلوا: “«أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نَجمه في المشرق وأتينا لنسجد له». فلما سمِع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورُشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، وسألهم: «أين يولد المسيح؟» فقالوا له: «في بيت لحم اليهودية. لأنه هٰكذا مكتوب بالنبي …”. وهٰكذا أعلنت السماء ذلك الميلاد العجيب للرعاة إذ ظهر لهم ملاك الرب بينما هم في حراساتهم الليلية، وبشرهم: “«لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب. وهٰذه لكم العلامة: تجدون طفلاً مُقَمَّطًا مضجَعًا في مذود».”.فأسرعوا ليرَوا الطفل الوليد ليتباركوا منه.
وفي ليلة الميلاد، نتذكر رسالة “السيد المسيح” بالسلام الذي وهبه للبشرية بميلاده: “على الأرض السلام”، وكما ذُكر عنه أنه: “يهدي أقدامنا في طريق السلام”؛ فصار أحد ألقاب السيد المسيح: “ملك السلام”. أيضًا اشتملت تعاليم “السيد المسيح” على وصية السلام؛ فهو من طوَّب صانعي السلام ورفع من مكانتهم جدًّا لدى الله: “طوبى (ما أكثر السعادة والبركة) لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون.”. نعم، إن من يسلك بالسلام فهو يتتبع خطى الله الذي قيل عنه: “السلطان والهيبة عنده. هو صانع السلام في أعاليه.”؛ وحين يبارك الله شعبه فهو يباركهم بالسلام: “الرب يعطي عزًا لشعبه. الرب يبارك شعبه بالسلام”، “إني أسمع ما يتكلم به الله الرب. لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولأتقيائه”. وهٰكذا من يعرف الله ويحبه تمتلئ حياته بالسلام، وإن واجتهه أزمات أو اضطرابات لا يفقد سلامه؛ وحين أراد “السيد المسيح” أن يهب لتلاميذه عطية ثمينة منحهم السلام: “سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب”. وسلام الله يختلف عن ذلك السلام الذي يقدمه العالم، فقد يظن بعض الناس أنه بالمال أو السلطة أو المكانة الاجتماعية يحصلون على السلام، لكنهم مخطئون فالسلام هو من الله وبالله.
وقد صار السلام وصية، إذ يقول الكتاب: “اطلب السلامة واسع وراءها”، و“سالِموا بعضكم بعضًا”. وهٰكذا تكون حياة كل من يحب الله، حياة غنية بالسلام نحو كل إنسان، وفي تقديمه رسالة السلام يبذل كل جهده ساعيًا نحو تحقيقه مع الآخرين بأعمال الخير والمحبة والوداعة؛ فما أحوج عالمنا اليوم، يا إخوتي: إلى “رسالة السلام”! إلى “صانعي السلام” في كل مكان وزمان! ومع كل إنسان يسعى من أجل إرساء السلام! كي ما يتسنى للبشرية أن تعرف معنى الفرح الدائم والسعادة الحقيقية.
كل عام وجميعكم بخير، ونطلب إلى الله أن يحفظ بلادنا “مِصر” من كل شر، وأن ينعم بالسلام عليهاوسائر العالم، وأن يحفظ الجميع من الحروب والأوبئة والأمراض والفناءو… والحديث في “مصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ