أهنئكم في “عيد الغطاس”، الذي يحتفل به أقباط “مِصر” ومسيحيو الشرق غدًا، في الحادي عشَر من شهر طوبة الموافق التاسع عشر من يناير، راجيًا الله أن يهب لكم جميعًا كل خير وسعادة، وأن يحفظ لبلادنا “مِصر” السلام والأمن والبركات.
و”عيد الغطاس” هو عيد سيديّ كبير لأنه يختص بشخص السيد المسيح، إذ في ذلك اليوم قبِل “المعمودية” من يد النبيّ “يوحنا المَعمَدان” في نهر الأردن. وقد جاءت رسالة “يوحنا المَعمَدان” مناديةً بالتوبة والعودة إلى الله، في زمن ازدادت ظلمة الشر وصارت الخطية منتشرة: “وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يَكرِز في برية اليهودية قائلاً: «توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السماوات …”. خدم “يوحنا المَعَمدان” خدمة قوية مؤثرة، حتى إنه أستطاع أن يعيد كثيرين تائبين إلى الله: “حينئذ خرج إليه أورُشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن، واعتمدوا منه في الأردن، معترفين بخطاياهم.”. ولم تقتصر رسالة “يوحنا المَعَمدان” على مجرد دعوة الشعب إلى التوبة والإقرار بخطاياهم، بل طالبهم بأعمال الخير والإحسان لئلا يأتي عليهم غضب الله ويَهلِكوا: “«يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟ فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم: لنا إبراهيم أبًا. لأني أقول لكم: إن الله قادر أن يقيم من هٰذه الحجارة أولادًا لإبراهيم. والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار …”. وقد استطاع “يوحنا المَعمَدان” أن يؤثر في كل طبقات الشعب حتى “هيرودُس الملك”نفسه الذي قيل عنه: “كان يهاب يوحنا عالمًا أنه رجل بار وقديس، وكان يحفظه. وإذ سمِعه، فعل كثيرًا، وسمِعه بسرور.”.
و”يوحنا المَعمَدان” هو من تنبأ عنه “ملاخي النبي”: “هٰأنٰذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي”، وهو من بشَّر الملاكُ بولادته قائلاً: “لا تخَف يا زكريا، لأن طلبتك قد سُمعت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنًا وتسميه يوحنا. ويكون لك فرح ، وكثيرون سيفرحون بولادته، لأنه يكون عظيمًا أمام الرب …ويرُدّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلٰههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته، ليرُد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًّا.”. وعند ولادته تنبأ عنه “زكريا النبيّ”: “وأنت أيها الصبيّنبيّ العَلِيّتُدعى، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتُعد طرقه. لتُعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم.”. لذٰلك يُدعى “يوحنا المَعمَدان” بـ”السابق الصابغ” إذ سبق “السيد المسيح” بالجسد في خدمته ليُعد قلوب الشعب، أما “الصابغ” فلأنه كان يُعمِّد بالماء للتوبة. وعاش “يوحنا المَعمَدان” حياة الزهد في البرّية حتى يوم ظهوره للشعب ومناداته بالتوبة: “أما الصبيّ فكان ينمو ويتقوى بالروح، وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.”.
و”يوحنا المَعمَدان” هو من شهِد عن “السيد المسيح” بأنه “حَمَل الله”: “وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه، فقال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! هٰذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي.”، كذٰلك أعلن: “لستُ بمستحق أن أحُل سيور حذائه”. وحين جاء “السيد المسيح” ليعتمد من “يوحنا المَعمَدان”، منعه قائلاً: “«أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي!» فقال يسوع له: «اسمح الآن، لأنه هٰكذا يليق بنا أن نكمّل كل بِر».”. وحين اعتمد “السيد المسيح” شهِد “يوحنا”: “إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه”. وكان صوت من السماء قائلاً: “أنت ابني الحبيب، بك سررتُ.”. ولم يكُن “السيد المسيح” محتاجًا إلى معمودية التوبة؛ فهو من قال: “من منكم يبكتني على خطية؟”، لكنه اعتمد كي يكمّل كل بِر عن الإنسان.
وهٰكذا استحق “يوحنا المَعمَدان” شهادة “السيد المسيح” له بأنه “أعظم مواليد النساء”، و“أفضل من نبيّ”. كل عام وجميعكم بخير. و… والحديث في “مصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ