إذا أرادت أمة بناء نفسها فعليها أن تبني الإنسان بها. ويُعد بناء الإنسان هو الطريق الأصعب نحو القمة التي يسعى الفرد أو المجتمع للوصول إليها. وربما صعوبة البناء تعود إلى طبيعة الإنسان المتمثلة في الروح بما تحمله من جوهر عاقل، والنفس بما تحمله من فكر وعاطفة وإرادة، إلى جانب الجسد. ويُعتبر بناء “الوعي” أو “الإدراك” هو أحد الموضوعات المُلحة المطروحة اليوم على ساحة المؤتمرات واللقاءات والمناقشات من أجل العمل على البناء الإنساني الداخليّ لمنفعة الفرد نفسه ومجتمعه. وقد بدأت محاولات تعريف “الوعي” بين العلماء والفلاسفة منذ آلاف من السنين، وما تزال موضع بحث حتى اليوم. إلا أننا لسنا بصدد العرض الجدليّ بين التحليلات والتفسيرات المختلفة، بل الحديث عما نحتاجه اليوم من أجل بناء الإنسان والوطن والمستقبل.
وقد نتساءل: لماذا بناء الإنسان؟ لأن للإنسان قيمة عظمى عند الله، وهو ما عبّرت عنه الأديان بوضوح. ففي المسيحية، الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله في صفات العدل والرحمة والمحبة و … إلخ، بمحدودية بشرية: “وَقَالَ ٱللهُ: «نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا…”. وفي الإسلام، الإنسان هو خليفة الله في الأرض: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَآئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلْأَرضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ﴾. ولأن الإنسان أيضًا هو صاحب رسالة في بناء الحياة، فقد وُضع في الأرض ليعملها ويحفظها. ناهينا بأن الإنسان هو صانع الحضارات والتطور، فمن دونهما كانت حضارة ولا تطور ولا اختراعات يشهدها العالم على مر العصور وإلى اليوم، ابتكارات هي وليدة عقله الموهوب له من الخالق، العقل الأعظم، الله ـ تبارك اسمه.
بناء الوعي
تُعرّف كلمة “وعي” في قاموس كامبردچ بأنها: “حالة فَهم وإدراك شيء ما”، في حين يقدم قاموس “أكسفورد” تعريفًا عن “الوعي” بأنه: “حالة إدراك أو دراية الإنسان بما يحيط به والاستجابة له”. وهٰكذا يرتبط الوعي بقدرة الشخص على الدراية بنفسه وبالعالم من حوله. قرأت مرة أنالمركز القوميّ للبحوث الجنائية والاجتماعية سنة 2009، ذكر في تقريره أن أكثر من عشرة مليارات جنيه تُنفق على أعمال الدجل والسحر في مصر!! وهو ما يشير إلى أهمية التوقف للدراسة والعمل من أجل بناء “وعي” المواطن، إلى جانب أنه يبرز الدور المهم والمسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع المِصريّ من أجل العمل على بناء وعي الفرد، في عدة محاور منها:
- الوعي بذاته وهُويته
يحتاج المواطن المصري أن يعي ذاته وإمكاناته ومواهبه، إلى جانب العودة إلى الإدراك العميق لهُويته المصرية؛ فهو لديه من التاريخ والسمات الشخصية ما يجعله يحقق أعظم الإنجازات.
- الوعي بالقيم المجتمعية
نحتاج إلى بناء الوعي بقيم المواطنة والسلام والتعايش السلمي، التي تظهر في:
- حرية الإنسان الفردية، وحريته في التعبير والاعتقاد والإيمان، والحق في العدالة.
- الحق في المشاركة في الحياة السياسية من خلال مجلس النواب.
- تمتع المواطن بالخِدمات الاجتماعية كالتعليم والرعاية الصحية وغيرهما من الأساسيات المجتمعية.
- الوعي بأهمية مشاركة المواطن في المصالح العامة والمجتمع المدنيّ.
- وعي الإنسان بالمواطنة الذي يكوِّن و يؤصل نظرته نحو نفسه ووطنه وشركاء وطنه من المواطنين، ما سيؤدي دون شك إلى بناء البلاد وتعميرها والأخذ بها واقتيادها إلى ريادتها الأولى بين الدول.
- الوعي بحقوق الإنسان
وبحسب تعريف الأمم المتحدة، فإن حقوق الإنسان هي حقوق متأصلة في جميع البشر ـ مهما كانت جنسياتهم، أو أماكن إقامتهم، أو أنواع أجناسهم، أو أصولهم الوطنية أو العرقية، أو ألوانهم، أو أديانهم، أو لغاتهم، أو أي أوضاع أخرى ـ وللكل الحق في الحصول عليها بمساواة ودون تمييز. ومن تلك الحقوق، على سبيل المثال، الحق في الحياة والحرية والعدالة والأمن والسلام والاحترام.
- الوعي بقيم العمل والترابط المجتمعيّ
لابد من بناء وعي المواطن بأهمية العمل والترابط المجتمعيّ، لأنه ببساطة متى سرى انقسام في مجتمع فإنه حتمًا يتهدم، وعلى النقيض: في وَحدتنا نتكامل و نوفي بحاجاتنا كافةً، ونعمل لنبني بلادنا ونؤمِّن مستقبل أولادنا. و… والحديث في “مصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ