No Result
View All Result
يحتفل غدًا أقباط “مِصر” بعيد نياحة قديس معاصر عرَفه وأحبه المِصريون جميعًا، إذ كان أبًا للكل: إنه القديس “البابا كيرلس السادس” (السادس عشر بعد المئة في بابوات الإسكندرية)، الذي اعترفت بقداسته الكنيسة القبطية سنة 2013م.
وُلد البابا كيرلس السادس باسم “عازر” في 8/8/1902م. وعلى الرغم من نجاحه الذي شهِد الكل له به، وبالأخص مرؤوسوه في العمل، فقد كان منشغل القلب والعقل بالسماء، مشتهيًا أن يقدمهما إلى الله في حياة متصلة من الصلاة والعبادة، ومحبة ارتقت فوق كل ما للعالم. ولهٰذا التحق “عازر” بديرالقديسة السيدة العذراء بوادي النطرون (البَرَموس) في 27/7/1927م، وسرعان ما سِيم راهبًا في 25/2/1928م باسم الراهب “مينا البَرَموسي”، ثم قَسًّا في 18/7/1931م.
وفي حياة “أبونا مينا” الرهبانية، شهد له “القمص عبد المسيح المسعودي” أحد شيوخ الدير، فقال: “حارت ومستني السيل”، أي إنه “أعد ذاته لقَبول سيل نعمة الله”، حتى إنه في يوم رسامته راهبًا قطع الشيخ الصامت “القمص يعقوب البَرَموسيّ” صمته وعدم محبته للخوض في أحاديث، قائلاً: “يا ابني، ليباركك الرب، ويؤهلك للنعمة، ويُنجح طريقك لتسير في فلاح وتوفيق”.
رغِب أبونا “مينا البَرَموسي” في حياة الوَحدة في الصحراء فتوحد أولاً بمغارة بوادي النطرون، وعلى الرغم من قسوة هٰذه الحياة فإن سلام “أبونا مينا” وبشاشته لم يفارقاه؛ فهناك في أحد أيام 1933م التقى هو د. “حسن فؤاد” مدير الآثار العربية وبصحبته مدير كلية اللاهوت بنيويورك الذي أتى باحثًا عن أصل الرهبنة وتاريخها؛ فشهِد د. “حسن” بعد اللقاء: “يا أبي، لقد رفعت رأس الرهبان، وشرفتَ الرجل المِصريّ، فإليكم نيتحية حارة، وأرجو أن أبرهن عن عمق تقديري واحترامي لك يومًا ما!”.
وفي سنة 1936م،انتقل “أبونا مينا المتوحد” إلى طاحونة الهواء بجبل المقطم؛ لينتشر أريج سيرته العطرة المقدسة بين الناس، وخاصة بعد أن قام ببناء كنيسة بمصر القديمة على اسم المحبوب إلى قلبه الشهيد “مار مينا العجائبيّ”. أقام “أبونا مينا المتوحد” بمِصر القديمة، ثم صار رئيسًا لدير القديس “أنبا صموئيل المعترف”؛ فاهتم بمقر الدير بقرية “الزورة” بالمنيا، كما اعتنى بالدير نفسه بالقلمون فازدهر وعاد إليه رهبانه.
اختارته العناية الإلٰهية لتحمل مسؤولية رعاية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في وقت دقيق صعب مر بالبلاد والكنيسة؛ فسيم بطريركًا باسم “كيرلس السادس” في 10/5/1959م. وفي بطريركيته، كان أبًا وراعيًا حانيًا، يهتم ويسعى لخلاص أبنائه. وكما ذكر أحد تلامذته الراهب القمص أبونا “روفائيل آڤا مينا”: “أشهد أمام الله: أني طوال خدمتي للبابا، لم أجده يتربص بأحد أو يحمل ضغينة لأحد أو يحارب من خاصموه، بل رأيته على العكس يحب الجميع، حتى الذين ناصبوه العداء احتضنهم وأسند إليهم أعمالاً هامة!!”.
أما عن المودة العميقة والاحترام المتبادل اللذين جمعا القطبين العظيمين الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” والبابا “كيرلس السادس”، فقد كانا دائمًا موضع إعجاب الجميع، حتى إن “إذاعة صوت أمريكا” وصفت “البابا كيرلس” عند نياحته: “لقد تُوُفّي الصديق الوفيّ لعبد الناصر”. وقد كانت تلك المحبة العميقة ممتلئة تقديرًا وتفاهمًا وعملاً دائمًا من أجل مصلحة البلاد. ولا يمكن للتاريخ أن ينسى مواقف البابا “كيرلس السادس” أثناء أزمات مرت بالبلاد كعدوان 1967م وحرب الاستنزاف، ولا مواقفه الوطنية فيما يتعلق بـ”مِصر” والشرق الأوسط، وعلى نحو خاص موقف المِصريِّين من قضية “القدس”، وإصداره بيانًا تاريخيًّا مشتركًا مع فضيلة “الإمام حسن مأمون” شيخ الأزهر آنذاك، يؤكَّد فيه تضامن المِصريِّين جميعًا تجاه كل ما يختص بـ”مِصر” من قضايا.
انطلق البابا “كيرلس السادس” من العالم صباح الثلاثاء 9/3/1971م، في وداع شهِد له المتنيح “أنبا اغريغوريوس” (الأسقف العام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلميّ آنذاك)، فقال: “أكرمك الله في وفاتك بهٰذا الوداع النادر المثال، الذي تجلى فيه كل الوفاء وكل الحب، وكل الإجلال لسيرتك العطرة وحياتك الطاهرة”، وانتشر أريج سيرته واستحق أن تعلَن قداسته و…والحديث في “مِصرالحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

No Result
View All Result