تحدثت المقالة السابقة عن استقلال “الملك الكامل” بحكم “مِصر” وانفراده بتدبير أمورها بعد وفاة أبيه “الملك العادل”، وفشل محاولة بعض الأمراء خلعه وتفويض الحكم إلى أخيه “الملك الفائز”، وتصدي “الملك الكامل” لمحاولات الفرنج الاستيلاء على “مِصر” بعد إيقاعهم بمدينة “دمياط”، وانتصاره عليهم، ثم عقد الصلح بين الفريقين، ورحيل الفرنج عن البلاد.
ضم “الملك الكامل” إلى حكمه عديدًا من البلاد، منها: “دمشق”، والبلاد المشرقية، و”مكة”، وبلاد “الحجاز”، و”اليمن”. وكان، بعد وفاة “الملك الأشرف”، أن “الملك الكامل” استولى على “دمشق” مرة ثانية، فيذكر “ابن تَغْري”: “ثم مات أخوه «الملك الأشرف» وجعل وليّعهده أخاه «الملك الصالح بن إسماعيل بن العادل»، فقصده «الملك الكامل» أيضًا، وانتزع منه «دمشق» بعد مصالحة جرت بينهما في التاسع من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأبقى له «بَعْلَبَكّ» وأعمالها، و«بُصرى» و«أرض السواد» وتلك البلاد.”. وبعد استيلائه على “دمشق” مرِض، ثم تُوفي ودُفن بالقلعة بمدينة “دمشق” سنة٦٣٥هـ (١٢٣٨م)، بعد أن حكم قرابة ١٩ عامًا.
ومن الأحداث التي صارت أيام حكم “الملك الكامل”: أن أخاه “الملك المعظم عيسى” كان قد أخرب “القدس” بعد أن وصلت أخبار عن عزم الفرنج التوجه والاستيلاء عليها، وكان ذٰلك سنة٦١٦هـ (١٢١٩م)؛ ويذكر المؤرخون: “فشرعوا في خراب السور أول يوم من «المحرَّم»، ووقع في البلد ضجة عظيمة. وخرج النساء المخدّرات والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة (الصحراء) و«الأقصى»، وقطعوا شعورهم ومزقوا ثيابهم، وفعلوا أشياء من هٰذه الفِعال، ثم خرجوا هاربين وتركوا أموالهم وأهاليهم … وامتلأت بهم الطرقات؛ فتوجه بعضهم إلى «مِصر»، وبعضهم إلى «الكَرَك»، وبعضهم إلى «دمشق» … ومات خلق كثير من الجوع والعطش …”.
حارب “الملك الكامل” الفرنج، سنة ٦١٧هـ (١٢٢٠م)، وانتصر عليهم في “واقعة البرلس” وعادوا مهزومين إلى “دمياط”، وفي تلك السنة كان أول ظهور للتتار بعد أن تمكنوا من عبور “نهر جَيْحُون” ومروا بعدد من المدن قتلوا وسبَوا أهلها.
وبعد ثلاث سنين (٦٢٠هـ/١٢٢٣م) دبت الفُرقة والبعد بين قلوب الإخوة الثلاثة: “الملك الكامل”، و”المعظم عيسى” حاكم “دمشق”، و”الأشرف موسى” حاكم “خِلَاط” وغيرها.
وفي السنة التالية (٦٢١هـ/١٢٢٤م) حل الخراب والهلاك ببلاد عديدة على أيدي التتار؛ فيذكر “ابن الأثير”: “وفيها عادت التتار من بلاد «القَبْجَاق» (قبائل تركية متحالفة) ووصلت إلى (مدينة) «الرَّيّ»، وكان من سَلِم من أهلها قد عمّروها، فلم يشعروا إلا بقدوم التتار بغتة، فوضعوا فيهم السيف، ثم فعلوا بعدة بلاد أُخَر كذٰلك …”.
ومرت ثلاث سنوات وتُوفي”الملك المعظم عيسى” (٦٢٤هـ/١٢٢٧م)، كما تُوفي أول ملوك التتار قائدهم الطاغية العَتِيّ”چِنْكِيزخان” بعد أنخرّب بلادًا كثيرة وأباد أهلها.
أما في سنة٦٢٦هـ (١٢٢٨/١٢٢٩م)، فقد وهب “الملك الكامل” بيت المقدس لملك الفرنج، ويذكر “ابن تَغْري”: “ووصلت الأخبار بتسليم «القدس» إلى «الأنبرور» (ملك الفرنج)، فقامت قيامة الناس لذٰلك ووقْع أمور، وتسلم «الأنبرور»«القدس»؛ و«الكامل» و«الأشرف» على حصار «دمشق»، فلم يُقِم «الأنبرور» سوى ليلتين، وعاد إلى «يافا» بعد أن أحسن إلى أهل «القدس»، ولم يغيِّر من شعائر الإسلام شيئًا.”، كما تسلم “الملك الكامل” “دمشق” من ابن أخيه وعوضه “الكامل” عنها بـ”الشَّوْبَك”. وفي السنة نفسها، تُوفي “الملك المسعود” ابن “الملك الكامل”، بعد أن خرج من اليمن قاصدًا الاستيلاء على “دمشق”، فمرِض ومات بـ”مكة”، وقيل إنه كان ظالمًا سفاكًا للدماء قتل أعدادًا كبيرة من البشر في “اليمن” ونهب أموالهم، كذٰلك ذُكر أن أباه “الملك الكامل” كان يخشاه ويكن له الضغينة، وأنه سُر بموته!!! واستولى على جميع أمواله، وقيل إنه فرق معظمها في أوجه البر والصدقات.
ثم كان قدوم التتار إلى الجزيرة و”حَرَّان” مرة ثانية، سنة٦٢٩هـ (١٢٣١م)، فأخذوا يستشرون فيهما قتلاً وأسرًا وسبيًا من البشر؛ فاجتمع “الملك الكامل” وأخوه “الأشرف” من أجل دفع خطر التتار و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ