No Result
View All Result
تحدثت مقالة سابقة عن ضم “الملك الكامل” بلادًا عديدة إلى حكمه: منها “دمشق” والبلاد المشرقية و”مكة” وبلاد “الحجاز” و”اليمن”. وكان بعد استيلائه على “دمشق” أن نال منه المرض فتُوفي ودُفن بها. وقد شهد زمانه خراب “القدس”، والانتصار على الفرنج في “واقعة البرلس”، وظهور التتار وتخريبهم المدن وقتل أهلها وسبيهم، ثم قدومهم إلى الجزيرة و”حَرَّان” سنة٦٢٩هـ (١٢٣١م)، وأخذوا يستشرون فيهما قتلاً وأسرًا وسبيًا من البشر؛ فاجتمع “الملك الكامل” وأخوه “الأشرف” من أجل دفع خطرهم.
وسنة ٦٣١هـ (١٢٣٣م)، حاول “الملك الكامل” وإخوته و”أسد الدين شِيرِكُوه” حاكم “حمص” دخول بلاد الروم والاستيلاء عليها، فتقدم “الكامل” وقاتل الروم لٰكنه هُزم فعاد إلى “آمِد”. إلا أن جيش الروم توجه نحو “آمِد” وحاصروها عدة أيام، ثم توجهوا إلى “السويداء” وتملكوها سنة 632هـ (1234م)؛ وفي السنة نفسها اجتاح “مِصر” وباء عظيم فتك بنَيِّف وثلاثين ألف إنسان في شهر واحد!!!
وسنة 633هـ (1235م)، استعاد “الكامل” مع أخيه “الأشرف” عددًا من البلدان من الروم، منها “حَرّان” و”الرُّها” وغيرهما، وأخرب قلعتي “الرُّها” و”دُنَيْسِر”، وفي ذٰلك الوقت وصلتهم رسالة تخبرهم بعبور التتار “نهر دجلة” ووصولهم إلى “سِنجار”. كذٰلك شهدت تلك السنة تفشي مرض “الطاعون” بـ”مِصر” فقيل: “وفي هٰذه السنة كان «الطاعون» العظيم بـ«مِصر» وقراها؛ مات فيه خلق كثير من أهلها وغيرها حتى تجاوز الحد”!!!
وسنة 634هـ (1236/1237م) قدِم التتار على “إِرْبِل” (مدينة عراقية ومركز محافظة “أربيل” وعاصمة إقليم “كردستان”) وتمكنوا من الاستيلاء عليها وفتحوها عَنوة، ولم يكُن مصير أهلها أفضل من باقي المدن إذ قيل إنهم: “قتلوا كل من فيها وسبَوا وفضحوا البنات، وصارت الآبار والدُّور قبورًا للناس”. وفي تلك السنة، بدأ الخلاف يدب بين الأخوين “الكامل” و”الأشرف”، بعد أن طلب “الأشرف” مدينة “الرَّقّة” وأبى “الكامل” إعطاءها إياه.
وفي سنة 635هـ (1238م) تُوُفِّي “الملك الأشرف”ومن بعده “الملك الكامل”، وملك ابنه “العادل” من بعده حكم “مِصر”. ومما قيل في شأن “الملك الكامل” أنه كان: “فاضلاً، عالمًا، شهمًا، مهيبًا، محبًا للعلماء، وله شعر حَسَن، واشتغال في العلم … وكانت الطرق آمنة في زمانه … “، كما قيل: “وكان ملكًا جليلاً حازمًا، سديد الآراء، حسَن التدبير لممالكه، عفيفًا، حليمًا، عمَرت في أيامه الديار المِصرية عمارة كبيرة، وكان عنده مسائل غريبة من الفقه والنحو يوردها، فمن أجابه حظي عنده”، ومن أعماله أنه بنى “المدرسة الكاملية” (بشارع “بين القصرين” بجوار جامع السلطان برقوق) وتُعرف باسم “جامع الكاملية” أو “جامع الكامل”، وكان ذٰلك سنة 621هـ (1224م)،كما بنى “قبة الإمام الشافعيّ”.
ويذكر عدد من مؤرخي التاريخ الكنسيّ أن “الملك الكامل” كان يكِنّ محبة كبيرة لأقباط “مِصر”، حتى إنه صرح لمن ترك دينه منهم عَنوة بالعودة إليه؛ وقد عانى أقباط مِصر قدوم الفرنج إليها إذ قتلوا وطردوا وسبَوا كثيرين؛ فيذكر القمص “مَنَسَّى يوحنا” أنه حين انهزم الفرنج: “ابتهج الأقباط إذ وجدوا المسلمين أكثر شفقة عليهم منهم؛ ولما رأى «الملك الكامل» منهم ذٰلك ركَن (مال) إليهم وقربهم ورفع مقامهم وعمِل على ما فيه راحتهم”. ويُذكر أن بعض الأمراء قبضوا على عدد من الرهبان وسلبوا من الرهبان مبلغًا من المال مدعين أنهم تأخروا في دفع الجزية السنوية، وقد كان ذٰلك المال هو كل ما يملكونه، فتقدم الرهبان بشكواهم إلى “الملك الكامل” فنظر في دعواهم وأمر بإرجاع المال إليهم. وقيل أيضًا أنه: “أعفى الرهبان من الجزية الشخصية، وزار بنفسه دير وادي النطرون وتفقد أحوال الرهبان … وبالجملة فقد منع «الملك الكامل» التعرض للأقباط في أي شأن من شؤون دينهم، وأذِن لهم ببناء كنائسهم … وأباح فتح ما أُغلق منها وإقامة شعائرهم الدينية فيها جِهارًا بدون مانع”، ورفض “الملك الكامل” أي رشوة لأجل ترشيح “داود بن لُقلُق” بطريركًا خلفًا “للبابا يوحنا السادس” (الرابع والسبعين في بطاركة الإسكندرية)، الذي تنيح سنة 1216م بعد رئاسة استمرت 27 عامًا. لٰكن فيما بعد كان “داود بن لقلق” سببًا في اهتزاز محبة “الملك الكامل” للأقباط وسقوطها، و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

No Result
View All Result