بدأ أقباط “مِصر” الإثنين الماضي “صوم الرسل” الذي يعقب أيام “الخمسين المقدسة” البادئة من “عيد القيامة” حتى “عيد العَنْصَرة”، مرورًا بـ”عيد الصعود” الذي يُحتفل به بعد “عيد القيامة” بأربعين يومًا. والأعياد “القيامة” و”الصعود” و “العَنْصَرة” تُسمى أعيادًا سيدية لأنها تتعلق بشخص السيد المسيح.
ويُطلق على “عيد العَنْصَرة” عدد من الأسماء، منها: “عيد حلول الروح القدس”، “عيد الخمسين”، “أحد العَنْصَرة”، “أسبوع العَنْصَرة”؛ وفيه حل “الروح القدس” على تلاميذ “السيد المسيح” والمؤمنين به فبدؤوا التبشير بالمَسيحية في “أورُشليم” ثم “اليهودية” فـ”السامرة” ثم إلى أقصى العالم. ولهٰذا يُعد “عيد العَنْصَرة” هو يوم ميلاد الكنيسة وبداية خدمتها في أرجاء المسكونة، والاحتفال به هو احتفال بعيد ميلادها. وكلمة “عَنْصَرة” تعود في الأصل إلى لفظة عبرية تعني “المحفل” أو “الاجتماع” أو “الجمع”، حيث كان يجتمع اليهود للاحتفال بـ”عيد الأسابيع” أو “عيد الحصاد”. و”عيد الحصاد” اليهوديّ هو عيد فيه أمر الله شعبه أن يقيموا عيدًا كبيرًا بعد خمسين يوم من “عيد الفصح”، حيث فيه يتذكر اليهود تسلُّم نبيّ الله “موسى” للشريعة المقدسة في جبل سيناء.
لقد أوصى “السيد المسيح” تلاميذه قائلاً: “وها أنا أرسل إليكم موعد أبي. فأقيموا في مدينة أورُشليم إلى أن تُلبَسوا قوةً من الأعالي”. فقد ظل السيد المسيح بعد قيامته يترآى لتلاميذه مدة أربعين يومًا، يحدثهم عن ملكوت الله، فيذكر الكتاب: “وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يَبرَحوا من أورُشليم، بل ينتظروا «موعد الآب الذي سمِعتموه مني، لأن يوحنا عمَّد بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس، ليس بعد هٰذه الأيام بكثير» …«… لٰكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورُشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض»”. وهٰكذا ظل تلاميذ “السيد المسيح” يواظبون على الصلاة مع “السيدة العذراء” وكل المؤمنين، فكانوا نحو ١٢٠ شخصًا، في عِلِّية صهيون التي هي بيت والدة القديس مار مرقس كاروز الديار المِصرية.
وفي يوم الخمسين على قيامة السيد المسيح، حل الروح القدس على التلاميذ؛ وبدؤوا ببشارة اليهود المجتمعين في “أورُشليم” من كل مكان للاحتفال بـ”عيد الخمسين”، وانضم إلى الكنيسة في ذٰلك اليوم ثلاثة آلاف نفس: “ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة، وصار بغتةً من السماء صوتٌ كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن يَنطِقوا. وكان يهودٌ رجالٌ أتقياءُ من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورُشليم. فلما صار هٰذا الصوت، اجتمع الجمهور وتحيروا، لأن كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلُغَته. فبُهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض:«أتُرى ليس جميع هٰؤلاء المتكلمين جليليين؟ فكيف نسمع نحن كل واحد منا لُغَته التي وُلد فيها؟ … نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله!» فتحير الجميع وارتابوا قائلين بعضهم لبعض:«ما عسى أن يكون هٰذا؟!»”. ثم قام “بطرس الرسول”، مع التلاميذ، يتحدث إلى الشعب: “فلما سمعوا نُخسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل:«ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟» فقال لهم بطرس :«توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بُعد، كلِّ من يدعوه الرب إلٰهنا» … فقبِلوا كلامه بفرح، واعتمدوا، وانضم في ذٰلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.”. وهٰكذا وُلدت الكنيسة وامتدت في أرجاء المسكونة.
وعقب “يوم العَنْصَرة”، بدأ الآباء الرسل صومًا (تسمى على اسمهم فيما بعد)، بادئين به كرازتهم، ولذا يُعدهو أقدم صوم عرَفته الكنيسة المَسيحية منذ بدء تأسيسها، ثم انتقل الصوم من الآباء الرسل إلى الأجيال حتى اليوم. وقد كان يسمَّى “صوم الرسل” أولاً بـ”صوم العَنْصَرة”، ثم تغير إلى تسميته الحالية “صوم الرسل” سنة ٣٢٥م أثناء انعقاد المجمع المسكونى الأول بمدينة “نيقية”. وينتهي “صوم الرسل” بذكرى “استشهاد الرسولين بطرس وبولس”. ومدة “صوم الرسل” غير محددة، إذ يختلف ميعاد بدايته من سنة إلى أخرى بحسب تاريخ الاحتفال بـ”عيد القيامة”.
و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ