No Result
View All Result
تحدثت المقالة السابقة عن “البابا كيرلس الثالث” (١٢٣٤/١٢٣٥-١٢٤٢/١٢٤٣م)، الخامس والسبعين في بطاركة كنيسة الإسكندرية، الملقب بـ”ابن لُقلُق”، الذي أعاد “السيمونية” التي جعلت الشعب ينفر منه ويبتعد عنه، وأصدر أوامر إدارية كنسية صيرتكل الأديرة وعددًا من البلاد في تبعيته المباشرة، فارضًا رسومًا سنوية عليها!!
وفي عهد ذٰلك البطريرك تمزقت العلاقة بين الأقباط والسريان، وأدت كل قراراته وتصرفاته التي أصر عليها إلى تدهور عَلاقته بالأقباط وبكبار الأمة القبطية فاعتزلوا عنه مما زاده استبدادًا! أما رجال الدولة ومسؤولوها، فكان قد استمالهم إليه بالهبات والمال، وهم ليسوا على دراية بما يقوم به من مخالفات دينية، فيذكر “القس مَنَسَّى يوحنا”: “ولما كان رؤساء الحكومة غير مطلعين على فظائع «كيرلس»، قام وفد من كبار الأمة القبطية وأساقفتها، يرأسه عماد الراهب (الراهب الذي ساعد «ابن لقلق» في الحصول على البطريركية)، وقصوا أخباره على محافظ العاصمة – وكان ممن استمالهم «كيرلس» إليه بالرشوة؛ فلم يبالِ بالأمر، بل حامى عن «كيرلس» وعضده”. ولما حضر “البطريرك كيرلس” استنكر الأمر مندهشًا، حيث تضمنت شكوى الآباء الأساقفة خمسة أمور يلحُّون في طلبها:
-
الإقلاع عن السيمونية والرشوة.
-
احترام حقوق بطريرك السريان، وعدم تجاوز سلطة المِطران الذي عينه البطريرك “كيرلس الثالث” مدينة “غزة”.
-
عزل من قلدهم الرتب الكهنوتية دون استحقاق.
-
عدم تقليد البطريرك لبدع الكنيسة اليونانية.
-
تعيين أحد الأساقفة الشيوخ المدربين وكيلاً للبطريركية.
أما البطريرك فلم يلتفت إلى تلك الطلبات ولم يوفِ بوعده بدراستها، بل سعى لدى الوالي، متهمًا “عماد الراهب” بأبشع الأمور إلى أن نجح في الزج به بالسجن.
وعندما ازدادت الأمور سوءًا، توجه أربعة عشر أسقفًا إلى دار البطريركية، وألزموا البطريرك بالموافقة على مشروع قانوني ضروري لترتيب قوانين الكنيسة. وعلى الرغم من امتناعه أولاً في قبول الأمر، فإنه اضطُر إلى التوقيع، وكُلف “ابن العسال صفا” بجمع تلك القوانين التي وُزعت على جميع الإيبارشيات. إلا أنه عاد ورفض ما اتفقوا عليه بعد موت “الملك الكامل” وأثناء تولي “الملك الصالح”، مستغلاً الاضطرابات التي لحِقت بأقباط “مِصر” آنذاك. فأدت تلك التصرفات إلى عقد الأساقفة مجمعًا آخر، حضره كبار رجال الأمة القبطية يطلبون فيه إليه الالتزام بالقوانين الكنسية، فلم يصبهم منه سوى الازدراء والاستهانة!! فقام أحد الرهبان، ويسمى “بطرس”، ويُعرف بـ”الشيخ السني”، وكان شيخًا حكيمًا فاضلاً عالمًا محبوبًا: “وأقام الأدلة على ما ارتكبه (البطريرك) مما يخل بمقامه ورتبته: كمخالفته للقوانين المرعية، ونكثه العهود، وارتكاب الرشوة، وغير ذٰلك من الأعمال والخصال الذميمة. وقدم إليه قانونًا ليمضي عليه، مؤداه: أن يعين أسقفًا طاهر الذمة ليراقب أموال الوقف، وأن يرسم أسقفين لإبروشيتين خاليتين، بدون رشوة. وكان «كيرلس» قد امتنع عن رسامة أحد لهما حتى يتحصل على الضريبة المعتادة، وأن يعين ناظرين لمدرستي «القاهرة» و«بابليون»، وأن يترك الأديرة تحت رئاسة الأساقفة التي تكون في دائرة إبروشياتهم.”. إلا أن “البطريرك” أخذ في المماطلة، حتى وشى به أحد أصحابه إلى أمير “القاهرة”. وقد كانت كثرة الشكاوى في البطريرك، وبخاصة شكوى الراهب “الشيخ السني”، قد أثرت في مكانة البطريرك لدى الحكام ورجال الدولة، فقُبض عليه بعد عدة محاولات كان الأساقفة فيها يرفضون تسليمه من أجل كرامة منصبه. وبعد أن كانت نية الحكام عزل البطريرك، تدخل الأساقفة واتفقوا مع أمير “القاهرة” الذي كان يكِن محبة كبيرة للأقباط على إطلاق سراح البطريرك عند توقيعه القوانين التي سنوها له؛ وبالفعل وقعها وأُطلق سراحه مقابل دفع مبلغ من المال، فكان ذٰلك ذريعة لاستمراره في جمع المال.
واستمرت تصرفات البطريرك حتى ضاقت به الرعية ذَرْعًا، إلى أن تحننت السماء ومات سنة 1242/1243م؛ ويُذكر عن ذٰلك: “فاستمر في ضلاله حتى أراح الله منه تلك الأمة التعيسة بموته، بعد أن مضى عليه في الرئاسة ثماني سنوات لم تُرَ في خلالها راحة يومًا واحدًا” !!كما ذكر “أنبا ساويرس ابن المقفع”: “وجنَّزوه على جاري العادة. وقيل إن رائحته تغيرت حتى إنهم كانوا يرشون عليه ماء الورد لتزول الرائحة الكريهة عن الناس. ودُفن في … القاعة التي كان عمّرها بدير الشمع” و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result